محمد علي العاوي

حتى لا تتحول أمطار الخير إلى كوارث

الثلاثاء - 20 نوفمبر 2018

Tue - 20 Nov 2018

أعادت الأمطار التي شهدتها المملكة خلال الأيام الماضية، وما صاحبها من فيضانات وسيول، الجدل مرة أخرى حول السبب في تجمع المياه، وعدم تصريفها بصورة مناسبة تمنع كثيرا من حالات الاحتجاز والغرق التي تحدث في بعض المناطق، وكذلك الخسائر المادية التي تحدث للطرق والسيارات والممتلكات العامة والخاصة، رغم المبالغ الضخمة التي صرفت لتنفيذ مشاريع التصريف.

وكما تعودنا في مثل هذه الحالات فقد حفلت وسائل التواصل الاجتماعية بكثير من الاتهامات التي أطلقت يمنة ويسرة، والتي تحمل الجهات الرسمية - وحدها - المسؤولية عن تلك الحوادث، وتزعم أن سوء تنفيذ مشاريع التصريف وفساد المسؤولين السبب الرئيس في ذلك. بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك، مؤكدا أن مثل تلك التجمعات المطرية لا تحدث إلا في بلادنا. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فكثير من الدول الأوروبية والمتقدمة تعاني من فيضانات الأنهار والسيول الناجمة عن التساقط الكثيف للأمطار، مع العلم أن لديها أفضل مشاريع تصريف المياه، ولكن إرادة الله فوق كل شيء، وقد شهدت بعيني خلال سنوات إقامتي في إنجلترا بغرض الدراسة أكثر من أربع حالات كوارث بيئية وفيضانات، حيث وصلت المياه لداخل المباني، وحدثت خسائر مادية لمواطني تلك الدولة قدرت بمبالغ طائلة، وهذه الأحداث موثقة وموجودة على شبكة الانترنت، وبإمكان من يريد الاطلاع عليها أن يفعل ذلك بسهولة.

ما ذكرته آنفا لا ينفي إمكانية حدوث تقصير وسوء تنفيذ في مشاريع تصريف مياه الأمطار، أو عدم تنفيذها بالشكل الصحيح، ولكن ذلك ليس هو السبب الوحيد، فالكوارث البيئية فوق قدرة البشر، مهما حرصت الدول على تلافيها. ولكن يبقى الطموح البشري موجودا في سبيل العمل على مقاومة النتائج السالبة التي قد تحدث في بعض الأحيان نتيجة التقصير والإهمال والتعامل السلبي، وأهمها الاعتداء على مجاري السيول والأودية، وتوزيعها كمخططات سكنية، وهو ما تسبب في حدوث تجمعات مطرية داخل تلك الأحياء ودخول المياه لمنازل الموطنين، بسبب عدم انسياب المياه بسلاسة في المجاري الطبيعية التي اعتادت عليها، وهذه الظاهرة مشاهدة بوضوح في المخططات السكنية الخاصة وغير المعتمدة أو العشوائية، بسبب جشع ملاك تلك المخططات والأراضي وعدم حرصهم على عمل الدراسات الهيدرولوجية المطلوبة، وترك مجاري السيول دون الاعتداء عليها.

كذلك من الأسباب التي تؤدي لوقوع الكوارث المصاحبة لهطول الأمطار قلة الوعي لدى بعض المواطنين، وقيامهم برمي مخلفات البناء والأنقاض والنفايات في مجاري الأودية ومصبات السيول، مما يؤدي إلى انسداد وانغلاق المصارف مع جريان المياه، وهذا التصرف لا ينم إلا عن أنانية وسوء تصرف ممن يستكثرون دفع مبالغ زهيدة لنقل مخلفات بناياتهم دون الإضرار بالآخرين، أو إلقاء النفايات في الأماكن المخصصة لها، وهؤلاء لا بد من محاسبتهم بشدة من قبل السلطات المختصة، ولو استلزم الأمر إصدار قانون يحمل المتسببين في انغلاق المصارف تكاليف التعويضات التي تصرفها لدولة للمتضررين من الكوارث البيئية والطبيعية.

إضافة لكل ما سبق لا بد من تنظيم عملية نهل الرمال بغرض بيعها للمقاولين وشركات بيع الخرسانة الجاهزة، لأن ذلك يعد من الأسباب المهمة التي تتسبب في تكوين تجمعات خطيرة لكميات هائلة من مياه الأمطار والسيول، وحرف مجاري الأودية عن مسارها الصحيح.

وقبل كل ما سبق ينبغي زيادة الوعي لدى فئة الشباب والمراهقين، بعدم المخاطرة بأرواحهم مقابل مغامرات غير محسوبة العواقب، مثل الإصرار على عبور الأودية أثناء امتلائها بالمياه، فكثيرا ما نطالع في الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعية قصصا مرعبة ومؤلمة، لذلك فإن على علمائنا الكرام المسارعة إلى إيضاح أن ذلك من باب تعريض النفس للتهلكة الذي نهى عنه الشرع الحنيف، وأن حياتهم أكثر أهمية وقيمة من تلك المغامرات الصبيانية الطائشة التي يروح ضحيتها شباب غض، هم أمل هذه الأمة، وقرة أعين عائلاتهم التي تأمل منهم الكثير.

drmawi@