جريمة معاداة النازية!
سنابل موقوتة
سنابل موقوتة
الاثنين - 12 نوفمبر 2018
Mon - 12 Nov 2018
في هذه الأيام يحتفل العالم بذكرى الحرب العالمية الأولى، ويصر هذا العالم على عدم نسيان مآسي تلك الحرب الطاحنة التي قتل بسببها بشكل مباشر تسعة ملايين عسكري وسبعة ملايين مدني، ومئة مليون قتلوا بشكل غير مباشر بسبب الأضرار والأمراض والأوبئة التي خلفتها تلك الحرب.
لا أفهم سبب الاحتفاء بذكريات الحرب، لأن الإصرار على عدم النسيان ليس من أجل عدم التكرار، فأغلب الذين يحملون الورود بجانب النصب التذكارية للجنود المجهولين وتبدو على وجوههم علامات حزن مستعمل هم أنفسهم الذين يجهزون العالم للحرب الثالثة التي لن تبقي ولن تذر. وقد روي عن أينشتاين أنه قال «لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة». ومشكلتي الشخصية مع الحرب الثالثة أنه من المرجح أن أكون أحد ضحاياها. وقد كنت أمني النفس أن أكون أحد ضحايا حرب الحصى والحجارة. فإن كنت ولا بد ميتا ومقتولا لا محالة فإني أفضل أن يقتلني إنسان وهو ينظر إلى وجهي حتى أنكد عليه ما تبقى من حياته التي سيعيشها بعد رحيلي. أما فكرة أن يقتلني روبوت لا يشعر ولا يتألم أو إنسان آخر بيني وبينه آلاف الأميال فإنها فكرة غير محببة.
أتفهم حيرة المخلوقات في الكواكب الأخرى ـ إن وجدت بالطبع ـ وهي تتابع الإنسان الحزين على القتلى الذين خلفتهم الحروب والصراعات. لا شك أنها ـ أي المخلوقات الفضائية ـ تتساءل: لماذا يحزن بهذه الطريقة وهو الذي ارتكب كل تلك المجازر؟
أتوقع أنها تستبعد فكرة أن الندم هو سبب ذلك الحزن، لأن الإنسان يعيد تكرارا ومرارا كل تلك الفظائع التي يحزن من أجلها.
والحقيقة أني لا أعلم هل المخلوقات السابحة في الفضاء السحيق تعرف مناحيم بيجن وإسحق رابين وشمعون بيريز وأون سان سو تشي؟ وأن هذه الباقة المختارة من القتلة هم من ضمن الفائزين بأعلى جائزة للسلام يقدمها كوكب الأرض.
وأنا الذي لم أقتل دجاجة في حياتي لم أفز بجوائز تخص السلام، بل لم أفز بأي جائزة حتى في مهرجان التسوق في حارتنا الذي لم يشترك فيه أحد إلا أنا.
وعلى أي حال..
الحرب من أجل السلام فكرة لا تختلف كثيرا عن فكرة ممارسة الدعارة من أجل الحفاظ على الكرامة، لكنها فكرة رائجة لأن الإنسان منذ وطئت قدماه هذا الكوكب وهو يحاول إيجاد المبررات لأفعاله، والغريب حقا أنه ليس بحاجة للتبرير، لأن المستهدفين من أفعاله بشر مثله، ويفهمونه ويمارسون ذات الشيء بدورهم متى ما سنحت لهم الفرصة.
ولو أن النازيين ـ على سبيل المثال ـ هم الذين انتصروا في الحرب الثانية لكانت معاداة النازية هي الجريمة التي لا يجرؤ أحد على ارتكابها الآن، ولكان الإنسان مقتنعا أن هذا هو الصواب. لأنه متكيف مع فكرة أن الحق لا ينتصر دائما، ولكن المنتصر دائما على حق.
agrni@
لا أفهم سبب الاحتفاء بذكريات الحرب، لأن الإصرار على عدم النسيان ليس من أجل عدم التكرار، فأغلب الذين يحملون الورود بجانب النصب التذكارية للجنود المجهولين وتبدو على وجوههم علامات حزن مستعمل هم أنفسهم الذين يجهزون العالم للحرب الثالثة التي لن تبقي ولن تذر. وقد روي عن أينشتاين أنه قال «لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة». ومشكلتي الشخصية مع الحرب الثالثة أنه من المرجح أن أكون أحد ضحاياها. وقد كنت أمني النفس أن أكون أحد ضحايا حرب الحصى والحجارة. فإن كنت ولا بد ميتا ومقتولا لا محالة فإني أفضل أن يقتلني إنسان وهو ينظر إلى وجهي حتى أنكد عليه ما تبقى من حياته التي سيعيشها بعد رحيلي. أما فكرة أن يقتلني روبوت لا يشعر ولا يتألم أو إنسان آخر بيني وبينه آلاف الأميال فإنها فكرة غير محببة.
أتفهم حيرة المخلوقات في الكواكب الأخرى ـ إن وجدت بالطبع ـ وهي تتابع الإنسان الحزين على القتلى الذين خلفتهم الحروب والصراعات. لا شك أنها ـ أي المخلوقات الفضائية ـ تتساءل: لماذا يحزن بهذه الطريقة وهو الذي ارتكب كل تلك المجازر؟
أتوقع أنها تستبعد فكرة أن الندم هو سبب ذلك الحزن، لأن الإنسان يعيد تكرارا ومرارا كل تلك الفظائع التي يحزن من أجلها.
والحقيقة أني لا أعلم هل المخلوقات السابحة في الفضاء السحيق تعرف مناحيم بيجن وإسحق رابين وشمعون بيريز وأون سان سو تشي؟ وأن هذه الباقة المختارة من القتلة هم من ضمن الفائزين بأعلى جائزة للسلام يقدمها كوكب الأرض.
وأنا الذي لم أقتل دجاجة في حياتي لم أفز بجوائز تخص السلام، بل لم أفز بأي جائزة حتى في مهرجان التسوق في حارتنا الذي لم يشترك فيه أحد إلا أنا.
وعلى أي حال..
الحرب من أجل السلام فكرة لا تختلف كثيرا عن فكرة ممارسة الدعارة من أجل الحفاظ على الكرامة، لكنها فكرة رائجة لأن الإنسان منذ وطئت قدماه هذا الكوكب وهو يحاول إيجاد المبررات لأفعاله، والغريب حقا أنه ليس بحاجة للتبرير، لأن المستهدفين من أفعاله بشر مثله، ويفهمونه ويمارسون ذات الشيء بدورهم متى ما سنحت لهم الفرصة.
ولو أن النازيين ـ على سبيل المثال ـ هم الذين انتصروا في الحرب الثانية لكانت معاداة النازية هي الجريمة التي لا يجرؤ أحد على ارتكابها الآن، ولكان الإنسان مقتنعا أن هذا هو الصواب. لأنه متكيف مع فكرة أن الحق لا ينتصر دائما، ولكن المنتصر دائما على حق.
agrni@