هبة زهير قاضي

المرأة الوحيدة في الغرفة

الاثنين - 12 نوفمبر 2018

Mon - 12 Nov 2018

حين تم ابتعاثها لدراسة الماجستير في تخصص الأعمال لم تكن يوما تتخيل قدراتها الشخصية والمهارات القيادية التي تمتلكها لتؤهلها للتحدث باسم المجموعة وتواصلها الفعال مع الجميع باختلاف جنسياتهم وخلفياتهم، والتي دفعت زملاءها إلى ترشيحها كرئيسة للدفعة والمتحدث الرسمي لها.

لكن ما لم تكن تتوقعه هو ذلك الهجوم الكاسح الذي شنه عليها بنو جنسيتها من طلاب الدفعة، والذي دفعها في البداية إلى التشكك في موقفها ومدى ملاءمتها للمهمة وهي التي نشأت وتربت على أن القيادة والتحدث الجماهيري والمسؤوليات المهمة هي صفات ذكورية، وعليه تلائم الرجل أكثر من المرأة، مما دفعها إلى الاعتذار عن الترشح.

لكن موقف زملائها الآخرين الذين أخذوا يتواصلون معها مخبرين إياها بثقتهم بها، ومنهم زميلها الأفريقي ذو اللكنة الفرنسية الذي قال لها «أنت امرأة قيادية، متحدثة لبقة وتتواصلين مع الجميع بفعالية وأنا أثق بك وأرى أنك الأفضل للمنصب، ولذا سأظل أرشحك رغم اعتذارك»، هو ما حفزها مجددا وجعلها تدرك مدى التأثير السلبي للبرمجة الماضية على أفكارها، ودفعها للقبول وقيادة الدفعة لعامين متتاليين في تجربة فريدة من نوعها للجميع.

قامت شيرل ساندبيرج Sheryl Sandberg مديرة العمليات في شركة فيس بوك بتقديم تحدث جماهيري على منصة Tedx woman بعنوان «لماذا لدينا عدد قليل من النساء القائدات؟» قبل سبع سنوات، والذي حقق مشاهدة عالية تجاوزت المليونين، مسببا حراكا اجتماعيا يخاطب تلك الأفكار المتعلقة بمكان المرأة وترتيب أولوياتها ما بين البيت والعمل، والحد الفاصل ما بين قدراتها وحدودها. وقد ألهمها ذلك التفاعل لتأليف كتابها Lean In الذي تحدثت فيه بكل شفافية وصدق وصراحة عن قصتها الشخصية كامرأة، وطالبة، وعاملة، وزوجة وأم تحاول تحقيق طموحاتها في عالم الأعمال الشديد التنافسية.

بدأت ساندبيرج كتابها بالتحدث عن الفجوة الكبيرة في الطموح العملي ما بين الرجل والمرأة، ففي حين أنه يعد ميزة إيجابية بالنسبة للرجل إلا أنه يعد شيئا سلبيا بالنسبة للمرأة، وقد نسمع أحيانا أحدهم يعلق «مشكلتها طموحة بزيادة»!. كما تقول ساندبيرج «النجاح والإعجاب مرتبطان بطريقة إيجابية للرجال، ومرتبطان بطريقة سلبية للنساء»، وذلك كنتيجة لدراسة قامت بها جامعة كولومبيا للأعمال لاكتشاف الانطباع العام عن الرجل والمرأة في مكان العمل، حيث عرض الباحثون قصة نجاح مشروع ريادي، وقدمت القصة لمجموعتين من الطلاب بغرض إعطاء انطباعهم عن شخصية صاحب المشروع، وقدمت للمجموعة الأولى كرجل (هاورد)، وللمجموعة الثانية كامرأة (هايدي).

وقد قيم الطلاب الشخصيتين بنفس الاحترام والتقدير العملي، ولكن (هاورد) وصف بأنه بالتأكيد زميل رائع وقائد محفز، في حين وصفت (هايدي) بالأنانية، وأنها ليست من الأشخاص الذين يرغبون بالعمل لديهم أو معهم. الحالة نفسها ولكن بنتائج مختلفة بسبب اختلاف جنس القائد!

أخبرتني إحداهن بأنه «مؤخرا كثيرا ما أجد نفسي في غرفة اجتماعات وليس هناك امرأة سواي. في البداية لم أشعر بأي غرابة حتى أشار أحدهم للموضوع بطريقة تعجبية تميل ضمنيا إلى النقد ويتبعها بعبارة والله أنك قوية».

استطردت مخبرة إياي بمخاوفها على صورتها الانطباعية في المجتمع، ومدى تأثير ذلك على حياتها الخاصة.

جعلتني عبارتها أتذكر على مدى سنوات أولئك الفتيات الطموحات اللاتي خففن من طموحاتهن، وأجلنها، وتخلين عنها مقابل الرغبة في القبول الاجتماعي، ورفع فرصهن في الزواج، وخوفا على أدوارهن كزوجات وأمهات من أن تجرحها شبهة التقصير. مما حدا بكثيرات إلى الانجراف إلى تلك المساحة المحدودة من الخيارات الآمنة والقوالب التقليدية للمرأة ودورها في الحياة، أو إهمال العمل، والتقصير فيه ومعاملته كمصدر دخل منفصل عن تحقيق الذات. ثم نستغرب لاحقا من ارتفاع مستويات عدم الرضا، والاكتئاب، والخلافات الزوجية والمشاكل مع الأبناء، والفراغ والوحدة، والتي تضج بها بيوتنا.

ليس أخطر على أي محيط حيوي من طاقات وقدرات لم تجد المتنفس الملائم لها، وقد أثبتت دراسة للبروفيسور Rosalind Chait عن توازن الحياة والعمل أن النساء المندمجات في أدوار متعددة لديهن مستوى أدنى من القلق ومستويات أعلى من الصحة النفسية. ولنسترجع جميعا ذكرى جدات وعمات وخالات وأمهات لم يكن أمامهن إلا التركيز الشديد على عوائلهن وأقاربهن وإشغال حياة من حولهن، وافتعال المشاكل بسبب عدم وجود شيء آخر يفعلنه ويضعن فيه طاقاتهن.

نعم هناك نساء خلقن بطبيعة تميل إلى الأمومة الكاملة، ويتقن للتفرغ التام لدورهن كزوجات وأمهات وراعيات للأطفال، وهناك نساء قويات الشخصية ولديهن من القدرة على تحمل المسؤولية ومتابعة التفاصيل ما يجعلن مديرات ومسؤولات في غاية الإخلاص والإتقان، كما أن هناك نساء مبدعات، وقائدات ملهمات ولديهن من الأفكار والعطاءات ما يدفع بعجلة المجتمعات وتتغير به مسارات البشرية للأفضل.

ومهما اختلفت طبيعة المرأة فإن ذلك لا ينقص من طبيعتها الأنثوية كامرأة، وأم، وزوجة، وابنة وأخت وصديقة. وكل ما في الموضوع أن أولوياتها وطبيعة عطائها تختلفان، لذا فإن ما نفعله بانتقادنا ضمنيا للمرأة الطموحة والمبدعة أو الحد من إمكاناتها هو تعطيل عطاءات ربانية وقدرات فطرية تحتاجها مجتمعاتنا للتطور والنماء، أو إجبار المرأة على تلبس الصفات الرجولية دحرا لأي شبهات بالاختلاف أو التقصير، وحينها لا يحق لنا أن نستغرب وقول ما بال بيئاتنا العملية تسودها النمطية، وما بال بيئاتنا الاجتماعية تسودها المشاكل وعدم الاستقرار.

في النهاية، أترككم مع مقولة كتبتها في تويتر قبل فترة وحظيت بكثير من الانتشار «لا تقل لي حين أبدع في عملي وأنجز باحترافية عالية إنني امرأة بمئة رجل. بل قل لي: أنت تاجرة ناجحة كخديجة، ومفكرة ذكية كعائشة، وفارسة مغوارة كأم عمارة، وشاعرة فصيحة كالخنساء، وشجاعة مثابرة كأسماء، وفاصلة في الحق مثل الشفاء، وابنة وزوجة وأم وامرأة في كامل أنوثتها مثل كلهن».

hebakadi@