تعثر المشاريع يغتال أحلام التنمية

الأحد - 11 نوفمبر 2018

Sun - 11 Nov 2018

تمثل مشكلة تعثر المشاريع الخدمية والتنموية أكبر عائق يحول دون التنفيذ الأمثل للخطط الإنمائية التي تضعها القيادة، بهدف ترقية وتطوير البنى التحتية، وتحسين ظروف حياة المواطن، إضافة إلى تعزيز البيئة الاقتصادية للإيفاء بمتطلبات تنفيذ خطط التطور والتنمية، مثل تنفيذ مشاريع استراتيجية تتماشى مع معدلات النمو المتغيرة في السكان والعمران. ومع الأسف فإن كثيرا من المشاريع التي يستبشر المواطن بالإعلان عنها وتوقيع عقودها سرعان ما قد تتعثر لأسباب متعددة في مقدمتها عدم الدقة في فحص العروض المقدمة من الشركات وقدرتها على التنفيذ، فكثير من المشاريع تتم ترسيتها على شركات، وتلك المشاريع تفوق قدرتها المادية والبشرية، وإنما حصلت على فرصة تنفيذ تلك المشاريع بعقود من الباطن وقعتها مع شركة أخرى تمت ترسية العطاء عليها. لذلك فإن السماح بالتوسع في التعاقد مع مقاولي الباطن ربما يكون هو المشكلة الأساسية التي تؤدي إلى ظهور شركات ضعيفة في إمكاناتها وفقيرة في كوادرها.

من الأسباب التي تتسبب في تعثر المشاريع عدم وجود كوادر مؤهلة تقوم بإعداد دراسات المشاريع والإشراف عليها، الأمر الذي تعاني منه بعض الجهات الحكومية، حيث يتم التركيز على التحليل المالي للعطاءات، دون النظر للتحليل الفني، وعدم مراعاة الإمكانات الفنية للشركات المتنافسة، إضافة إلى كثرة ارتباطات أصحاب العروض الفائزة بمشاريع أخرى، مما يؤدي إلى تأخر المشاريع التنموية الوطنية.

ورغم التسليم بصواب الحرص على تقليل التكلفة، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الشرط الأساسي الوحيد في اختيار الشركات، بل يمكن اللجوء إليه عند تساوي بقية الشركات المرشحة، فإذا انحصرت المنافسة بين شركتين أو أكثر متساوية في قدراتها الفنية ومعروفة بارتفاع جودة المشاريع التي قامت بتنفيذها يمكن في هذه الحالة اللجوء إلى اختيار الشركة ذات العرض الأقل تكلفة.

ومن أهم المشكلات كذلك سوء الإدارة وغياب الرقابة الكافية في بعض المؤسسات، فكثير من المسؤولين المكلفين بالتأكد من مطابقة المشاريع المنفذة للمواصفات المتفق عليها، قبل تسلمها من المقاولين، يقومون بتكليف موظفيهم للقيام بتلك المهمة، دون متابعة منهم، وهؤلاء غالبا ما يتساهلون في التصديق على جودة المشاريع وتسلمها، دون أن يبذلوا كبير عناء في سبيل التأكد من ذلك، فكثير من المشاريع التي تجاوزت تكلفتها عشرات وربما مئات الملايين من الريالات تم تسلمها من الشركات المنفذة دون تدقيق، وهذه مشكلة أخطر يجب التوقف عندها والبحث عن سبل لعلاجها.

ولعل من نافلة القول إن تأخير إنجاز بعض المشروعات يؤدي بالضرورة إلى تقليل نسبة الاستفادة منها، حيث يدفع المجتمع بأكمله ثمن تأخر مشاريع حيوية مثل المدارس والمستشفيات والطرق وغيره، مما يفاقم المشقة على المواطن ويزيد الأعباء على الموازنة العامة للدولة التي رصدت المليارات لهذه المشاريع، والتي يضيع جزء منها في تعثر وتأخير تنفيذها. فتلك المشاريع تم إقرارها بعد دراسة متأنية ووافية توصلت إلى أنها تعد ضرورة للمجتمع، ويحتاج إليها الناس في حياتهم.

ولأن الله قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما جاء في الأثر، فإن السبيل الأمثل للتغلب على تلك المشكلة يكمن في تفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، وذلك بسحب المشاريع المتعثرة من المقاولين غير الملتزمين بالتوقيت والمواصفات، ووضع قائمة سوداء للشركات التي تتكرر مخالفاتها، بحيث تمنع من التنافس على أي مشاريع مستقبلا، وكذلك لا بد من تغيير طريقة نظرنا للأمور، والتخلي عن السلبية التي نتعامل بها في بعض الأحيان، وإعلاء قيمة المراقبة الذاتية، فتلك المشاريع تم إقرارها لما فيه مصلحتنا وخير أجيالنا المقبلة.

drmawi@