عبدالله المزهر

احتفظ بنسختك الخاصة، وعش حياتك الحقيقية!

الأحد - 04 نوفمبر 2018

Sun - 04 Nov 2018

الناس أكثر حدة وتوترا وانقساما في وسائل التواصل الاجتماعية مما هم عليه في الواقع، وهذا التصور بنيته من خلال ما أعرفه وأسمعه وأراه في الواقعين الافتراضي والحقيقي.

في وسائل التواصل نريد أن نتحدث وكأننا خبراء عارفون ببواطن الأمور وظواهرها، ولأنه لا أحد يعرفنا على حقيقتنا فإننا نجد الجرأة والشجاعة لرفض وتسفيه كل رأي يختلف مع آرائنا، أو تلك التي ندعي أنها آراؤنا.

في الحياة الواقعية تبدأ دوائر الاهتمام من الأصغر إلى الأكبر، فالأهم هي الدائرة الصغيرة وتقل أهمية الدائرة كلما كبر محيطها.

فالناس ـ كل الناس ـ تهمهم أسرهم الصغيرة، مستقبل أبنائهم، لون الطلاء في صالة منزلهم، علاقة أبنائهم مع أصدقائهم، كشف الدرجات الشهري، قسط البنك، رسائل وزارة الإسكان. أهمية فاتورة الكهرباء بالنسبة للمواطن العادي أكبر بكثير من أي خبر آخر يسمعه في الأخبار. وحين يأتي اليوم الرابع من كل شهر ـ يوم الفواتير ـ فإن هذا المواطن لا يعنيه ما قاله ترمب ولا ما يفكر في إردوغان ولا مستقبل الخمير الحمر ولا ما آل إليه مصير نمور التاميل. ونتائج أبنائه في المدرسة أهم من نتائج جميع الانتخابات التي تجري في كوكب الأرض والكواكب المجاورة.

والتخلص من نزلة البرد التي يعاني منها أهم لديه بكثير من تخلص الأرض من الاحتباس الحراري ومن رتق ثقب الأوزون.

هذا هو الوضع الطبيعي لكل الكائنات البشرية، لكن مع وجود وسائل التواصل وسهولة الحديث في كل شأن، يكون الاهتمام بالدوائر الأبعد أكثر من الدوائر الأقرب والأكثر أهمية، أصبح الناس يبدون من خلال هذه الوسائل وكأن لهم اهتمامات كونية، ويغضبون ويخاصمون ويفجرون في الخصومة من أجل أمر لا علاقة لهم به، ولا يفهمونه على حقيقته.

الجميع قضاة وجلادون، والكل لديه نسخه الخاصة من الدين والوطنية والحياة التي يحاول تسويقها على الآخرين بالقوة، ولذلك أصبح من الضرورة أن يحاول كل أحد وأي أحد أن يبدو أقوى مما هو عليه في الواقع.

وقد تجد من يزجرك في تويتر ويخبرك أنك قد تجاوزت حدودك وأنه لا بد من التعامل معك بطريقة أكثر ردعا، وتشعر أن من يتحدث معك هو وزير الداخلية، بينما هو في الواقع مواطن مثلك يجلس في استراحته ويخترع طرقا للهرب من التفكير في الأقساط والفواتير. وأحيانا يكون تقمص شخصية ما في وسائل التواصل مجرد وسيلة للهرب من حقيقة تفاهة صاحب تلك الشخصية في الواقع.

وعلى أي حال..

الحياة أبسط بكثير مما تظهر عليه في مواقع التواصل، وإني ناصح لكم فاستمعوا، عيشوا تفاصيلكم الصغيرة، واصرفوا مخزونكم من الخوف والتوتر على أحبتكم وأصدقائكم الحقيقيين الذين تستطيعون شتمهم مباشرة دون الحاجة لتطبيقات وبرامج، وفروا من نشرات الأخبار فراركم من المجذوم، ولا تصدقوا أحدا غيري.