زهير ياسين آل طه

إسقاط الكبش بعد النبش في خطوط حمار الوحش

السبت - 03 نوفمبر 2018

Sat - 03 Nov 2018

يبدو أن التوجهات السياسية والاقتصادية والبيئية العالمية المتبناة من قبل ما تصنف بدول العالم الأول متأرجحة في مصداقية تطبيقها بالتساوي داخليا وخارجيا عن محيطها، وتعيش حالات شبه مفتعلة من الغيبوبة المتقطعة إلى الغثيان والنسيان العميق نحو العوالم الأخرى، والتي يعول افتراضا على قوتها دون ضعفها لقطع الطريق لانهيارات متتالية تمس الأمن والأمان والأرزاق والرفاهية، وصولا إلى دعوتها المسلوبة والمتناقضة عمليا للحفاظ على استدامة الحياة على الأرض بشكل عادل، وبما لا يضع مجالا للشك في طبيعة تحركها البطيء المصلحي غير المرضي بشكل صريح وانتقادي لها من قاطني الأرض من البشر وللأحياء من غير البشر أيضا، بل نازفة للطاقات وقاتلة لها في عدم تحريكها من سكونها ووضعها في الطريق الصحيح نحو الإبداع الفصيح الذي يتطلبه الوضع الراهن من غربلة لها بشكل صريح.

ففي خضم الحديث عن الواقع السياسي المعاصر الموجه نحو بعض من المجتمعات المصنفة بالعالم الثالث والمترهلة بما تحمله من مآس إنسانية واقتصادية وغيرها من صعوبات، لتعرضها لضغوط سياسية ومالية متتالية مجهدة لتماسكها، السبب المفتعل مصلحيا خلف تلك السياسات الضاغطة الدولية عليها من خارج نطاقها؛ ينكشف مهما تلبس وتخبأ خلف عباءة العفة والحقوق الإنسانية.

أما بقية مجتمعات العالم الثالث المتنامية (ولنا في السعودية أسوة حسنة)، والمتسارعة علميا وعمليا وإبداعيا، فهي لا تزال قوية وقادرة على إبقاء تماسكها وثبات مبادئها النبيلة على الرغم من تعرضها للضغوط أيضا في محاولة إسقاطها ككبش فداء من حين لآخر، لنوايا سياسية استغلالية غادرة مدعومة إقليميا وعالميا ومن بعض الحاقدين وبوحشية إعلامية متوارية، وعليها «تلك المجتمعات المخلصة» خاصة في الظروف العدائية الراهنة (في قضية جمال خاشقجي مثلا) أن تكون أكثر وعيا ونضجا وانتماء وولاء لأوطانها وقياداتها، وأن لا تتقبل بسذاجة

ما يخرج عليها من هرطقات إعلامية مشوِّشة ومحبطة ومتناقضة في مضامينها، وخادشة للذوق الفكري بما تحمله من نفس طائفي سياسي تدميري.

وفي إشارة مقتضبة لما في العنوان من غرابة واستدراج لقراءة متعمقة لما يحدث في الدول المحسوبة تصنيفيا بالعالم الأول من تناقضات ما بين الداخل والخارج في سياساتها وتعاملاتها المشرومة وإنسانيتها المخرومة، وكمثال توضيحي؛ أسدلت الأوساط الإعلامية البريطانية نهاية عام 2011 النية لانقراض خطوط حمار الوحش تدريجيا بعد مضي 60 عاما على الاستفادة من تمايزها اللوني الأسود والأبيض، ووضعها ضمن أنظمة السلامة المرورية لعبور المشاة للحفاظ عليهم. فالإحصاءات التي أخذت خلال 4 سنوات سابقة لعام 2011؛ أشارت إلى ازدياد حصد الأرواح في بريطانيا، وأوجدت خلافات في عموم صناع القرار الذي يعنى زعما بديمومة البشر وجودة حياتهم ورفاهيتهم المحاطين داخل الدولة عن خارجها بالمواءمة مع القوانين، والتي تقتضيها الظروف أن تقع من وقت لآخر للفحص برلمانيا ومن ثم الاستبيان المفتوح، وهو ما تم على نحو النظر أو الطلب في الإجهاز على خطوط حمار الوحش ومحاولة إسقاطها وتغييرها لإشارات ضوئية ملزمة الوقوف للمشاة. واستدراكا للوضع في عملية الالتزام؛ فقد أظهرت الدراسات عام 2018 أن 80% من البريطانيين لا يزالون غافلين قانونيا عن الوقوف الإجباري للمشاة عبر الخطوط، وهو مؤشر محبط من سوء النتائج ولعدم التغيير، بل لتفاقم الوضع بعد مضي 7 سنوات من الدعوات، وفيه دلالة على أن النوايا البرلمانية شكلية ورفع أصوات وللاستهلاك المحلي وتسجيل مواقف مصلحية.

وللعبرة لتمكين التنظيمات المجتمعية والاقتصادية والإعلامية وغيرها في دول العالم الثالث لخلق أرضيات صلبة ثابتة الأطر والخطوط لمواجهة الطوارئ والضغوط الخارجية في نبشها المتوالي وبخبث لإثارة المشاكل القديمة والمستحدثة، فيجدر بها أخذ الحيطة مما يُكنِّه الآخرون من مكر وعداء والاستفادة مما يفعلون من ذكاء وفطنة لسياسات مفتوحة داخليا مع مجتمعاتهم لتسهيل اتخاذ قرارات مستوحاة من التقارب معهم للتهدئة والاستقرار وتسويق مضامين جودة الحياة بلطف واحترام، من أجل تقوية الثقة والمصداقية في تقبل مخرجات تلك التنظيمات واهتمامها، والنظر ببصيرة لمدلول التعامل مع خطوط الحمار الوحشي، ولو أنها قضية بسيطة شكلا لكنها كبيرة ضمنا، كونها تمس الحياة الإنسانية، ولأنها قد تدلنا وتوعز لنا للنظر بعمق في قضايانا المصيرية البيروقراطية، لإدخالها في برامج الفحص والتدقيق والمساءلة والاستبيان من أجل التطوير المستمر، ولكي نتمكن من كسر الجمود الذي نعيشه من صعوبة في التغيير لبعض من عقليات مجتمعاتنا العقيمة، وسوف تعطينا أبعادا مستقبلية للنهوض حضاريا وبخطوات سريعة في حياتنا، مع اجتثاث ما يعكر صفو بلوغ الأهداف التغييرية وخططها للرؤية المباركة الواعدة 2030، لكي يستريح واضعوها من انتكاسات قد تفرزها العقليات المتحجرة الجاثمة على صدور المبدعين.

zuhairaltaha@