محمد أحمد بابا

فلسفات من عالم الحيوان

السبت - 03 نوفمبر 2018

Sat - 03 Nov 2018

وجدت في القرآن العظيم إشارة لعدد من فلسفات يمكن أن تكون مثار مشروعات تفكير وتكييف لبعض واقع ربما نحتاجه، فنجد أن فلسفة الصوتيات وتأثيرها على مدى الإقناع والفهم قال عنها ربي (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)، وفلسفة استمراء ردة الفعل الباردة بلا عمل ولا تغيير قال عنها ربي (كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).

ثم تأتي فلسفة الأقنعة الخادعة، والتستر بما يعلم الناس أنه باطل وضعيف ليقول عنها ربي (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)، وفلسفة العقول المتصلبة في رأي يضرها ويؤذيها قبل غيرها التي قال عنها ربي (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون).

ومن هنا نجد كلام الرحمن تعالى في مثل هذه النظريات واقعا على كائنات حية، لها فطرة لا تحيد عنها، مسيرة في اختيار، ومسخرة في هداية عمل، وما في القرآن العظيم من شيء إلا وله ميدان تدبر في مسار لا ينقطع حتى تنتهي الدنيا، لتكون الحيوانات والكائنات الفطرية الأخرى المتحركة دالة على ما يوجهنا له الخالق إن أردنا تطبيق أنجع الفلسفات التي تستقيم بها الحياة.

ولنا في فلسفة الحماية الطبيعية، واستراتيجية الإخلاء قبل الكوارث، واحتياطيات الطوارئ التي قال عنها ربي (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يعلمون) أسوة تقليد.

ولنا في فلسفة البهرجة الشكلية بغير الواقع والفائدة، وسرقة الإعجاب الوقتي مع إيهام الإنجاز التي قال ربي (كالحمار يحمل أسفارا) محط نظر لتكون السلبية والإيجابية محك انتقاء للإنسان السوي، مع بقاء فلسفة الفعل الاستباقي، والضربات الجوية في قول ربي (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) مستحقة للاهتمام.

وعند فلسفة تخصيص البيئة الصالحة للإنتاج قال ربي (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)، ثم هدانا إلى فلسفة التركيز على المنتج النهائي وفعاليته، لا ضخامته وضوضائه وجلبته فيقول ربي (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل).

اليوم لو قرأ القرآن العظيم أحد باحثا عن مفتاح إنتاج الاستراتيجيات من سلوك الحيوانات وقصة تجارب الكائنات الحية، سيقف مندهشا عند فلسفة الملكية الاعتبارية المحترمة في القانون التي قال عنها ربي (ناقة الله وسقياها)، وفلسفة الاستخدام الأمثل للأرض، والمحافظة على الصحة البيئية التي قال عنها ربي (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه) وفلسفة القوات متعددة الجنسيات في الاستراتيجيات العسكرية حين قال عنها ربي (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات).

وما أجمل أن ننطلق في فلسفة اختيار المناسب للعمل المناسب في مجموعة الطاقات نتيجة معرفة بالإمكانيات من قول ربي (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين)، ثم نعرج على فلسفة المجتمعات الاستهلاكية المقيتة بقول ربي (يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام).

وجدتني بعد متعة إثراء في كتاب ربي أقول: ما لنا وشركاء حياتنا الفطرية نجعل منها آخر ما نعتبر به؟ مع أن الله سبحانه في قرآنه العظيم شرع فأتقن، وهدى فأقنع، وبين وحمى من ملامة فعل باستصحاب فعل من لا عقل له دلالة إرشاد لمن جعله خليفته في الأرض فقال (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها)، والإنسان في تعريف المنطق حيوان ناطق، والدميري صنف (كتاب الحيوان) ومصطفى محمود نجح بامتياز بتقديم خلاصة فلسفته ببرنامجه الحيواني الفطري (العلم والإيمان) وأظننا لمثل ذلك محتاجون وفقراء معرفة واستدلال.

أما آن لنا أن ننظر (إلى الإبل كيف خلقت) وننظر لانتماء من غير الجنس لمجموعة عمل حين نقرأ (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) ثم نتعلم بأن الفرار والهروب قد يكونان أنجع الحلول حين انعدام المقدرة ونحن نسمع قول ربي (فرت من قسورة) فنمتثل لأمر قدسي جعل بوصلة اتجاه الخيارات الصحيحة علوية في قوله تعالى (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) فاتقوا الله ويعلمكم الله.

albabamohamad@