فهيد العديم

لو قرر العالم أن يكون عاقلا!

الأربعاء - 31 أكتوبر 2018

Wed - 31 Oct 2018

أنا على يقين تام بأن أول من قال الشعر في هذه الدنيا هو عاشق قالت له حبيبته «تخيّل»، في تلك اللحظة التي سمع فيها الكلمة أتت الومضة الأولى لولادة الشعر، والحديث هنا ليس عن الشعر ولا عن تلك الغواية الجميلة التي يتركها في أفئدة الناس، إنما الحديث عن الخيال، والدعوة إليه، فتخيلوا معي أن هذا العالم المجنون الموبوء بالحروب والكوارث وبالبشر الذين يقضون معظم وقتهم في «تويتر» بنبش ماضيك «المنيّل» ليصلوا إلى التصنيف المناسب، تخيلوا أن العالم تخلى عن كل ما سبق ولفظ معه النقاد والذين لا يجيدون صياغة النكت غير المؤدبة، والأصدقاء الذين يغادرون مجموعات الواتس اب دون سبب، وقتها كيف سيكون شكل العالم؟

أول ما تبادر إلى ذهني أن الأطفال وقتها سيذهبون للمدرسة بمزاج عال، ونفسيات رائعة، أنا شخصيا لا أدري كيف ربطت هذه بكون العالم تخلص من بعض المنغصات، لو حدث أن تخلى العالم عن جنونه فلا أحد سيسألني عن علاقة الأطفال بانقراض الكائنات آنفة الذكر، لأنه وقتها (النفسيات) بالتعبير الدارج، ستصبح كائنات من الماضي لا تحضر إلا في الأحجيات التي نقولها لأطفالنا قبل النوم، والأجمل أنه لن يكون هناك كتاب رأي، ليس لأنهم قرروا التوقف عن الكتابة عندما لم يجدوا مشاكل يكتبون عنها، ولكن لأن الناس لم يعد لديهم استعداد لقراءة النكد فقرروا قضاء يومهم بسماع الأغاني والاستمتاع بتربية الفراشات الملونة.

نعم ستكتب الصورة التالية دون أن يعترض أحد: تلك الفاتنة ترتب حقول الغيم وموائد الموسيقى، لن يعود هناك صراخ في ملاعب كرة القدم، وقتها سيبني اللاعبون علاقتهم مع العشب، ستنبت شجرة تين كبيرة في دائرة منتصف الملعب، يجلس بظلها لاعبو الفريقين بدهشة بعد أن اكتشفوا موهبة حارس المرمى بعرف الناس، وسيكتشف المدربون أن هناك أشياء أهم وأكثر إنسانية من التخطيط لهزيمة الآخرين، سيصرخ قائد الفريق: نعم يمكننا أن ننتصر معا، ليس بالضرورة أن يكون هناك مهزوم لتنتصر! أعلم أن قارئا جادا استطاع أن يحلق بخياله ويتخيل العالم بلا جنون ومشاكل، كأني أراه ينظر لي ويسأل بشفقة: وأنت ماذا تعمل وقتها؟

بصدق لا أدري، على الأقل لن أتهور وأعدك أنني لن أكتب، ربما سأواصل التنظير وأكتب عن سلبيات الإفراط في السعادة، ومخاطر تعاطي الفرح، والأمراض التي يسببها الهدوء وراحة البال، ولأن مساحة المقال توشك على النهاية فإنني أناشدك بأن تتخل عن خيالك، مرحبا بك في الواقع المحبط ونشرات الأخبار، وتذكر أنك بعد كل مدة تحتاج لإجازة (خيال) وحاول ألا تعود!

Fheedal3deem@