فوبيا الوعي!
سنابل موقوتة
سنابل موقوتة
الاثنين - 29 أكتوبر 2018
Mon - 29 Oct 2018
قرأت خبرا يقول بأن فريقا من الباحثين في جامعة هارفارد اكتشف أن حالات التوتر والقلق التي تصيب الأشخاص في منتصف العمر يمكن أن تؤدي إلى اضمحلال الدماغ وتقلص المخ، فضلا عن تسببها في ضعف الذاكرة. وهذا أمر مبشر بالخير، فاضمحلال الدماغ هو أفضل حل لمواجهة هذا العالم.
الخيارات قليلة للتعامل مع الحياة في هذا العصر الغريب، وفي الحقيقة هما خياران فقط؛ فإما أن يكون دماغك غير مضمحل، وهذا يعني أنك ستفكر وتحاول فهم الأشياء والمواقف والتصرفات. أو أن يكون مضمحلا ولا تحاول فهم شيء. والخيار الثاني أجمل لسبب منطقي، وهو أنك في حال التفكير والتدبر والتأمل في كثير من التصرفات والمواقف والقناعات لن تفهم شيئا في نهاية المطاف، وسيكون مجهودك العقلي مجرد هدر للطاقة دون فائدة، وإن حصل وفهمت شيئا ففي الغالب أنك ستتمنى أنك لم تفعل، ومع مرور الوقت سيصبح لديك خوف ورعب من الفهم، وستلجأ إلى تمرير الأشياء كما هي دون التوقف عندها بسبب «فوبيا الوعي». ولذلك فإن الاضمحلال الذي تحدثت عنه الدراسة سيكون أكثر راحة لأنك لن تفكر ولن تتذكر دون أن تتعمد التجاهل أو أن تحاول الهرب مما يمكن فهمه. لأن أولى علامات الفهم ـ كما قيل ـ هي أن ترغب في الموت.
صحيح أن المعرفة متعة عظيمة، لكنها متعة زائلة مثل أي متعة أخرى، وهذا الزمان الجميل هو زمن الأشياء المفيدة، والفائدة هنا بمعناها الرأسمالي البحت، أي شيء لا يتحول إلى نقود في نهاية المطاف هو شيء غير مفيد ولا ضرورة له. وسواء كنت مؤمنا بهذا المبدأ أم كافرا به فإن هذا لا يغير حقيقة أنه قانون الحياة السائد الآن. لن يتغير لمجرد أنك ممتعض من وجوده، وهنا تبرز أهمية اضمحلال العقل كسلاح فعال لمواجهة وجع الحياة وألم فهمها على حقيقتها.
الشيء غير الجيد في هذه الدراسة وهذا الخبر هو أن هذه الحالات من اضمحلال الدماغ التي يسببها التوتر والقلق تحدث بعد سن الأربعين، وهذا يعني أن فرصتك في النجاة من سياط الفهم القاتلة ستكون غير متاحة قبل أن ينقضي نصف عمرك أو أكثره، وقد ترحل من الدنيا وأنت لم تتلذذ بالبلادة واللا مبالاة، أجمل متع الدنيا على الإطلاق.
وعلى أي حال..
يقول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وحكمه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
وهذا موجز مختصر يبين المتسبب في البؤس والمتسبب في طيب العيش، فاختر لنفسك ما شئت إن كنت لا زلت قادرا على الاختيار من الأساس.
agrni@
الخيارات قليلة للتعامل مع الحياة في هذا العصر الغريب، وفي الحقيقة هما خياران فقط؛ فإما أن يكون دماغك غير مضمحل، وهذا يعني أنك ستفكر وتحاول فهم الأشياء والمواقف والتصرفات. أو أن يكون مضمحلا ولا تحاول فهم شيء. والخيار الثاني أجمل لسبب منطقي، وهو أنك في حال التفكير والتدبر والتأمل في كثير من التصرفات والمواقف والقناعات لن تفهم شيئا في نهاية المطاف، وسيكون مجهودك العقلي مجرد هدر للطاقة دون فائدة، وإن حصل وفهمت شيئا ففي الغالب أنك ستتمنى أنك لم تفعل، ومع مرور الوقت سيصبح لديك خوف ورعب من الفهم، وستلجأ إلى تمرير الأشياء كما هي دون التوقف عندها بسبب «فوبيا الوعي». ولذلك فإن الاضمحلال الذي تحدثت عنه الدراسة سيكون أكثر راحة لأنك لن تفكر ولن تتذكر دون أن تتعمد التجاهل أو أن تحاول الهرب مما يمكن فهمه. لأن أولى علامات الفهم ـ كما قيل ـ هي أن ترغب في الموت.
صحيح أن المعرفة متعة عظيمة، لكنها متعة زائلة مثل أي متعة أخرى، وهذا الزمان الجميل هو زمن الأشياء المفيدة، والفائدة هنا بمعناها الرأسمالي البحت، أي شيء لا يتحول إلى نقود في نهاية المطاف هو شيء غير مفيد ولا ضرورة له. وسواء كنت مؤمنا بهذا المبدأ أم كافرا به فإن هذا لا يغير حقيقة أنه قانون الحياة السائد الآن. لن يتغير لمجرد أنك ممتعض من وجوده، وهنا تبرز أهمية اضمحلال العقل كسلاح فعال لمواجهة وجع الحياة وألم فهمها على حقيقتها.
الشيء غير الجيد في هذه الدراسة وهذا الخبر هو أن هذه الحالات من اضمحلال الدماغ التي يسببها التوتر والقلق تحدث بعد سن الأربعين، وهذا يعني أن فرصتك في النجاة من سياط الفهم القاتلة ستكون غير متاحة قبل أن ينقضي نصف عمرك أو أكثره، وقد ترحل من الدنيا وأنت لم تتلذذ بالبلادة واللا مبالاة، أجمل متع الدنيا على الإطلاق.
وعلى أي حال..
يقول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وحكمه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
وهذا موجز مختصر يبين المتسبب في البؤس والمتسبب في طيب العيش، فاختر لنفسك ما شئت إن كنت لا زلت قادرا على الاختيار من الأساس.
agrni@