فهيد العديم

نعم.. نطبل

الأربعاء - 17 أكتوبر 2018

Wed - 17 Oct 2018

سؤال مر يستلقي كشفرة حادة في حنجرتي، وها أنا أحاول لفظه، السؤال: لماذا نجد الأغلب عندما يتحدث عن إنجاز حكومي يبدأ بديباجة يقسم من خلالها بأغلظ الأيمان أنه ليس مطبلا ولا مجاملا، وأن إعجابه بهذا الإنجاز لا يعني أنه لا توجد هنالك أخطاء في مشاريع أو قرارات أخرى؟

لاحظت تلك الديباجة في الإعلام وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعية، وكأن الاعتزاز والفخر بإنجازات الوطن خطأ يستلزم الاعتذار والتوضيح، هل نجح الآخر بأن أوصلنا لهذه الدرجة؟ أعني التوجس من الفخر وبصوت عال بالوطن ورموزه وإنجازاته، كنت أظن، وإن كان ظنا أقرب لليقين، أن المتلقي لم يعد يبهره ذلك الشخص الذي يتباهى بنقد الحكومة كي يقال عنه إنه جريء وشجاع، وفي الوقت نفسه لم أعد أنظر ببراءة للمزاج العام الذي أصبح يخاف أن يقال عنه مطبل عندما يقول ما يؤمن به، كنت ولا زلت على يقين تام بأن النقد لا بد أن يختار الزمان والمكان، فالصراخ في المكان الخطأ إزعاج، والهمس في الزمان الخطأ خطيئة.

المهم أن ندرك أننا بوطن رحب يتسع للنقد وحتى القسوة، وقسوة المحب لا تحتاج لترجمان يبرر مآربها، وفي المقابل قد تسيء لوطنك في الوقت الذي كنت تعتقد فيه أنك تخدمه، كما يروى عن الأمام الغزالي «ليس بالضرورة أن تكون عميلا كي تخدم عدوك، يكفي أن تكون أحمقا!»، الأهم ألا تستسلم لترويج كلمة «تطبيل»، فحديثك عمن تحب من الطبيعي أن يكون طيبا لينا، والحديث عن الوطن كالحديث عن الأهل، والحديث عن العلاقة بين المواطنين وبين رموز القيادة في المملكة أمر من الصعب أن تتفهمه الشعوب الأخرى، بل حتى الدول العربية، ناهيك عن الدول الأخرى، من الصعب أن تشرح لهم ثقافتنا التي تجعل أي مواطن سعودي يقبل رأس الملك ويتعامل معه كوالده، ولسنا مضطرين لشرح تلك العلاقة وتوضيح أبعادها. ما يجب أن نتمسك به هو ألا ننتظر ما سيقوله الآخرون عن علاقتنا بوطننا وقادتنا، وفي الوقت نفسه هناك من يروج إلى أن النقد أصبح ممنوعا، والحقيقة أن صاحب هذا القول يسعى لتعزيز فكرة «التطبيل»، فالنقد موجود لكننا نحن من نختار كيفية وصيغة وتوقيت النقد، ولو لم يكن النقد موجودا لما حدثت هذه الإصلاحات الهائلة، لكننا متى ما وجدنا أن هنالك من يريد أن يستغل نقدنا لخدمة أجندته المشبوهة فلن نتيح له ذلك، نستطيع أن ننتقد دون صوت عال ودون ضجيج، ونعم سنطبل، وسنكتب القصائد في وطننا العظيم، وسنغني للمجد والعزم، سنصل للسماء، ستؤلمكم رقابكم الصغيرة وأنتم تنظرون للأعلى، وستظلون صغارا.. صغارا جدا!