صلاح صالح معمار

فيل بداخل عقولنا!

الاثنين - 15 أكتوبر 2018

Mon - 15 Oct 2018

مع مطلع هذا العام خرج لنا Kevin وصديقه Robin بكتاب "الفيل الذي بداخل العقل" The Elephant in the Brain. وهو كتاب غاية في الروعة، وحقق نجاحا واسعا جدا منذ اللحظات الأولى لنشره. فكرة الكتاب تقوم على أن خلف العديد من سلوكياتنا وأفكارنا دوافع خفية داخل عقولنا. وهذه الدوافع الخفية كبيرة جدا وتم وصفها بأنها بحجم الفيل، وسبب في تشويه شخصياتنا وجعلها شخصيات مزدوجة تخدع ذاتها حتى تخرج بصورة جميلة تناسب الآخرين. والكتاب يوضح التباين الكبير بين دوافعنا الخفية التي تميل للمصلحة الذاتية وبين سلوكياتنا الظاهرية التي تحاول أن تخفي هذه الأنانية بطرق مختلفة! كما حاول الكتاب الوصول بنا إلى نقطة أن الاعتراف بالدوافع الأنانية ليس جريمة، بل الجريمة هي خداع الذات وعدم الاعتراف بهذه الدوافع والقيام بسلوكيات متناسقة معها.

لذا حاولت بعد قراءة الكتاب الخروج بقراءة خاصة بي لأهم أربع سلطات أرى أن لها دورا كبيرا ومباشرا في إخفاء دوافعنا الذاتية.

1. السلطة الدينية: سلطة الدين ورجال الدين لها دور كبير سواء كان إيجابيا أو سلبيا في التحكم في السلوك. لذا من الطبيعي أن تظهر سلوكيات تتماشى مع هذه السلطة وتختلف عن الدوافع! لذا لا عجب عندما نرى سلوكيات متناقضة عندما تختفي هذه السلطة، ويظهر هذا الأمر بشكل جلي عند السفر! لذا يجب أن تكون سلطة الضمير هي السلطة الأعلى.

2. السلطة المجتمعية: سلطة المجتمع قد تكون أقوى سلطة وتتفوق حتى على سلطة الضمير! لهذا يستمر الفرد بممارسة عادات كثيرة تخالف رغباته، خوفا من سلطة مجتمعه وعاداته وتقاليده. لذا لا عجب أن يكون هناك ألم وخسارة وبغض وراء بعض السلوكيات التي مظهرها جميل مثل الكرم المبالغ فيه عند الضيافة، والشهامة المبالغ فيها التي تقود إلى السجن، وغيرها من السلوكيات التي نكسب بها المجتمع ونخسر بها ذواتنا.

3. السلطة الحكومية: سلطة الدولة لها دور عميق في تشكيل سلوك الفرد، ويتباين هذا الدور من دولة إلى دولة أخرى وبحسب المساحة المتاحة لممارسة الحريات الشخصية! لذا المعادلة طردية كلما كانت المساحة أكبر كان التصالح مع الذات أكبر والعكس صحيح.

4. السلطة الافتراضية: التنمر الالكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعية يعد اليوم سلطة حديثة، بل ويعد من أهم الوسائل القوية التي تخفي الدوافع وتظهر الشخص بصورة مختلفة تماما عن شخصيته الحقيقية التي لا تظهر إلا خلف حسابات وهمية!

وأخيرا، ليست المشكلة في الدين، بل في سلطة رجال الدين الذين فهموا الدين بتشدد وجعلوه غير صالح لكل زمان ومكان، وتم تمكين فهمهم المتشدد ليصبح سلطة على الآخرين. وليست المشكلة في عادات المجتمع وتقاليده، بل في الجماعات التي حولت هذه العادات إلى واجب وسنة مؤكدة، وليس كخيار أو تفضيل، ولم تتوسع في طرق تطبيق القيم المجتمعية الجميلة التي تحترم الرغبات والقدرات والظروف الشخصية. وليست المشكلة في سلطة الدولة القائمة على العدل والمساواة، بل في سلطة أولئك الذين يزايدون في وطنية هذا وتخوين ذاك. وليست المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعية، بل في سلطة الذباب الالكتروني الذي جعل اللجوء إلى أسماء مستعارة هو السبيل الوحيد للخروج بالشخصية الحقيقية.

S_Meemar@