أحمد الهلالي

المبتعثون ولصوص العلم والمرتزقة!

الثلاثاء - 09 أكتوبر 2018

Tue - 09 Oct 2018

سمعنا بالجامعات الوهمية وخريجيها، وما يزال الدكتور موافق الرويلي يلاحق منتسبيها بحملته )هلكوني(، وتتوالى الأخبار المفزعة من بعض المبتعثين النظاميين لجامعات ومراكز لغة معتمدة بأنكأ من الجامعات الوهمية، قصص وحكايا يرويها مبتعثون جادون عن مبتعثين آخرين تشيب لها رؤوس الأقلام، ومما يزيد شيب المداد صور تغريدات وصلتني عبر الواتس اب نشرت بتاريخ 4 أكتوبر الحالي، تحققت منها من حساب صاحبها الذي يعرف نفسه باسم )أحتفظ به وبصور تغريداته(، وفحوى تلك التغريدات الثلاث أن كاتبها تقاعد، فصحا ضميره ليدلي باعترافات خطيرة، )لربما تكون الاعترافات حقيقية، أو تكون من باب الكتابة التهكمية الساخرة(، فيذكر المغرد أنه ابتعث مع آخرين عام 1985 م، وعادوا بشهادات براقة، بوأتهم أماكن لا يستحقونها بحسب تعبيره، لكنه الآن يعترف أن ما حصدوه في أمريكا كان غير أخلاقي، بدءا برخص القيادة وشهادات اللغة بوساطة العربان المتمرسين، ثم تأتي الطامة في حديثه عن الدراسة، إذ يقول «أما الدراسة فالبحوث والمقررات كان الشباب العربان الخبراء وشبه المقيمين هناك ومتزوجين أمريكيات يتعاملون معنا بالقطعة، وكله بالدولار و(الحسابة بتحسب)»، ثم يقول «بحوث، مقررات، اختبار شامل، كتابة مقترح الرسالة، )كله ماشي زي اللوز( أصعب شيء كان الدفاع عن الرسالة واللي كاتبينها لنا الشباب، وهنا (الزنقة) عانينا حقيقة في الحفظ والقراءة، يا ساتر .»

هذه التغريدات الثلاث فتحت ملف الابتعاث في ذهني من جديد، فالرجل يتحدث عما قبل 33 عاما، فما بالنا بهذا الزمن المزدحم بالمرتزقة من العرب في كل دول العالم، ومكاتب التزوير واللصوصية العربية تطالعنا إعلاناتها في كل موقع من مواقع التواصل الاجتماعية، يعلنون عن شهادات التوفل والآيلتس المعتمدة، ويعلنون عن قدرتهم على إعداد الرسائل والبحوث العلمية، وما على الطالب إلا الدفع والتفكير في يوم المناقشة، هذا في أوطاننا العربية، فكيف بهم في الغرب والشرق، يطاردون أبناءنا، ويصطادون الكسالى، والغارقين في الملذات منهم.

السؤالات التي ارتسمت في ذهني كثيرة، لعل أهمها: كيف نحمي أبناءنا من لصوص العلم؟ وكيف نخلق آليات تحميهم، وقنوات علمية نقية تقطع طريق اللصوص؟ فمكاتب المرتزقة محيطة بكل قرار تتخذه الجهات الرسمية، ومرنة جدا في التكيف مع كل قرار، وواجب الجهات العلمية الآن أن تخلق قنوات آمنة، بآليات واضحة، تستطيع من خلالها التأكد من نقاء القناة العلمية من كل شائبة، ولعل أول أداة حقيقية لصنع هذا أن نقصر الابتعاث على التخصصات التطبيقية الضرورية، وعلى الجادين أصحاب المعدلات المرتفعة فقط، فلا أظن أننا بمسيس الحاجة إلى الابتعاث في التخصصات النظرية، ونستطيع بما ننفق على المبتعثين في التخصصات النظرية فقط أن نطور أقسامنا ومناهجنا، وأن نعيد النظر في تعاقداتنا مع

الكوادر الأكاديمية التي غالبا ما تتهم آلياتها، وحصرها في بيئات، ربما تجاوزناها كثيرا في الوعي والعلوم.

كذلك من الحلول المستعجلة في نظري إجراء اختبارات مستمرة لقياس تحصيل المبتعثين سنويا، وضرورة أن تعمد الجامعات والجهات التي ابتعثتهم إلى فحص الرسائل العلمية وإعادة مناقشتها، وأن تعمل جامعاتنا على الاستفادة من التقنيات الحديثة لدى بعض الجامعات الغربية في فحص الرسائل العلمية والبحوث، ورد الرسائل التي تنكشف سوءاتها، أو تدور حولها شبه علمية. أما على الجانب الوظيفي، فأرى تخصيص عامين على الأقل لتقويم المبتعث بآليات خاصة، من خلال

أدائه في قاعات الدراسة، وعدم تكليفه بأي عمل أو مهمة إدارية في تلك الفترة.

تلك الحلول ربما ترى جائرة على المبتعث، لكني لا أعنيها في حقيقتها، بل أعني أن نفكر معا في بناء قنوات علمية نقية، يتحرك فيها المبتعث بأمان، فنحن لم نبتعث أبناءنا ونغربهم، وتدفع الدولة نيابة عنهم مليارات الريالات لجامعات العالم، ليدفعوا هم أموالهم الخاصة للمرتزقة ولصوص العلم، ويعود نصفهم خاوين كما غادرونا، ف ال مجال للصمت هنا، ولا محيص عن ابتكار قنوات حقيقية تحقق المأمول، فإن يخفق المبتعث ويعد (خائبا) خير من أن يعود (خاويا) يحمل وثائق رنانة، يتبوأ بها مكانة لا يستحقها، ويدمر أجيالا آتية بخوائه الفكري والمعرفي.

ahmad_helali@