أبوالنشايب!

الأحد - 07 أكتوبر 2018

Sun - 07 Oct 2018

قبل أيام حضر مصطلح (النشبة) إلى ذاكرتي بعد موقف معين، فهرعت إلى قاموس المعاني أبحث عن تاريخ هذه المفردة (المنيلة بستين نيلة)، فوجدت كثيرا من معانيها، وراق لي أحد التعاريف الذي ينص على أن النشبة تعني «الشخص إذا وقع في أمر لا يكاد ينجلي عنه».

حينها قفزت إلى رأسي مباشرة قصة النشبة ولصقة جونسون الشهيرة من حيث تشابه (المزعجين) في صعوبة المفارقة والانجلاء عن الآخر دون إحداث ألم وتعب وربما طفح جلدي وآخر نفسي!

لا يمكن أن أصف شخصا سوى بـ «أبوالنشايب» حينما يصر على عدم إعطائك حريتك لتغادر وهو يراك مستعجلا، ولا يمكن أن أسمي شخصا سوى «أبوالنشايب» خاصة وهو يلح عليك في أمر سبق لك أن رفضته مئة مرة. وبالمناسبة إن أبوالنشايب وأم النشايب مخلوقان غريبان كذلك من حيث قدرتهما على تحمل التضجر من الآخرين مع استمرارية التشبث.

حكى لي زميل في بريطانيا قصته مع أبوالنشايب ذات صباح (أسود)، وذلك حينما وجد سيارته وقد كبلت بأغلال وأصفاد رجال الأمن لأنه تجاوز الوقت المحدد للوقوف دون تجديد تذكرة الوقوف. قال لي وقد ملأ التضجر ما بقي من وجهه النحيل أنه حين رأى سيارته محبوسة انطلق إلى مكتب السير بالجامعة ليشرح لهم أن موعد خروج ابنه الصغير من المدرسة قد حل وأن أي ضرر يحصل لذلك الطفل جراء تأخره فإنه سيجعل الجامعة عرضة للمساءلة القانونية.

ثم استرسل يقول: وفي طريقي لمكتب السير رآني أبوالنشايب فقفز لي كزنبرك استطال أو نابض تمدد! وقال: وين رايح؟ إش فيك مستعجل؟ قال: فقلت له عندي مشكلة وحكيت له القصة، وقلت لعله يأخذني بسيارته فنحضر ابني ثم أعود بعدها لإنهاء أمر المخالفة. قال: فليتني لم أبلغه لأنه ترك موضوع الابن وعجلتي وانطلق في سرد (بانورامي) لعنترياته مع رجال الأمن وكيف أن دهاءه وحيلته أنقذاه من تلك الساعات الحالكة!

قال: فأعدته إلى الموضوع مظهرا له عجلتي وضيق وقتي، فما زال يذكرني بحنكته وعظيم مكره، وكلما زاد ثانية في حديثه نظرت إلى ساعتي كأنني أمام صخرة صماء عمياء دهماء! قال: وحين أعياني التعب وأدركت لا محالة أنه لا فائدة منه، قلت له: أستأذنك لألحق بمكتب السير، قال: فأمسك بيدي فقلت جاء الفرج سيأخذني لابني، قال: فوالله ما زاد على أن بدأ مسلسلا جديدا من ملاحمه وشجاعاته، فقلت: يا أخي أبغى ألحق مكتب السير! فرد علي: يا شيخ ما عليك منهم بس خلني أكمل لك الموضوع!

قاطعت صاحبي هنا وقلت: ألم تصفعه فتحيي ما مات من شعيرات وجهه الدموية وما ذهب من قلبه من الحس والإحساس! قال والله إنني تركته وانطلقت لمكتب السير الذي تعاون معي وأمر بحل وثاق سيارتي، وأثناء نزولي وجدت أبوالنشايب أسفل المبنى، فقال: اسمع يا فلان فصممت أذني وأطلقت رجلي للريح خوفا من أن أرتكب جريمة في حقه!

قلت بعد أن سمعت هذه القصة وربما مر عليكم من قصص (آل نشايب) الكثير إن الوقت أصبح اليوم مالا وربما حياة، ولعله فاصل بين جدلية أن أكون أو لا أكون. الناس في عصرنا الحاضر لم يعد لديهم رغبة بقضاء أوقات يستمعون فيها لما لا يودون الاستماع إليه.

لذا فهي دعوة لمن ابتلي بأحد منهم أن يفر منه فراره من الأسد دون تفكير فيما ستؤول إليه عاقبة الأمر، واطمئنوا تماما (وعلى مسؤوليتي) أن رغبة أبوالنشايب أو أمها في الالتصاق بكم من جديد ستغلب مشاعر التحسس والغضب من تجاهلكم لهم، مهما كان تجاهلكم جافا أو جارحا أو غير لائق. والسلام.

dralaaraj@