رحل المسلم وبقي حصنه
السبت - 06 أكتوبر 2018
Sat - 06 Oct 2018
بجملة العنوان أعلاه وصفت رحيل فقيدنا الكبير العلامة الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله - الذي انتقل إلى جوار ربه فجر الاثنين 21-1-1440.
نعم، رحل شيخنا جسدا، ولكنه باق بيننا علما وأثرا وخلقا، متربعا في قلب كل مسلم في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي.
عرفت الشيخ سعيد، كغيري من المسلمين، من خلال كتيبه ذي اللون البرتقالي الصغير حجما الكبير أثرا والأوسع انتشارا (حصن المسلم)، ذلك الكتيب الذي لاقى انتشارا واسعا، إذ ترجم إلى 44 لغة وطبع منه أكثر من 200 مليون نسخة وزعت في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وهنا قد نتساءل، لماذا كتب الله ذلك الانتشار الكبير لهذا الكتيب الصغير؟
الإجابة، في تصوري، أن مؤلفه عندما كتبه لم يرد به الكسب المادي، أو الشهرة الإعلامية، أو الجاه، بل كان يبتغي به مرضاة الله عز وجل، فآتاه الله ما تمناه.
يقول لي شقيقه الدكتور سعد: عندما سألته ذات يوم: ما السر في انتشار كتابك حصن المسلم في جميع أنحاء العالم؟ قال رحمه الله: هذا سر بيني وبين الله، فلا تسألني عنه مرة أخرى.
إن الكتابة - أيها الأحبة - عن الفقيد رحمه الله، في ذاتها تحد كبير، إذ لا مجال أن تفي الأحرف والكلمات بالإتيان على جميع خلائق هذا العالم ومناقبه، ولكنني سأسرد هنا بعض ما عرفته عنه بوصفي صديقا مقربا له.
كان من أبرز سمات شيخنا رحمه الله، أنه يشعر كل من يجالسه بأنه قريب منه، يلاحظ ذلك في تواصله البصري مع جميع من في مجلسه، حديثه يجعل مستمعيه ينصتون له حبا، لا مجاملة، لم يستأثر قط بالحديث لنفسه أو عن نفسه، وإن تحدث غيره كان خير منصت. كان رحمه الله يختم كل مجلس يحضره ببعض النصائح الدينية التي لا تزيد على 3 أو 4 دقائق، تستقر كل كلمة منها في قلوب مستمعيه.
الجانب الآخر المهم في شخصيته رحمه الله أن جميع من قابله ومن لم يقابله، بصرف النظر عن جنسياتهم أو توجهاتهم الفكرية، جميعهم يجمعون على حبه، إذ كان ينأى بنفسه عن التصنيفات والتحزبات، فلم يكن قط تابعا لتيار معين أو فكر منحرف، بل أشغل نفسه بالعبادة والتأليف والعمل ليل نهار للآخرة، مكرسا كل جهوده نحو تحقيق ذلك الهدف الوحيد. هذا الإجماع ينعكس جليا في التغطية الإعلامية لوفاته رحمه الله، إذ إن جميع القنوات العربية بمختلف توجهاتها ومشاربها بثت خبر وفاته وذكرت مناقبه وتحدثت بإسهاب عن مناقبه ومؤلفاته الـ 130، وبالذات حصن المسلم.
لم يكن رحمه الله ثريا ولم يترك وراءه مالا، بل كان عالما زاهدا في دنياه، مقبلا على آخرته مسخرا كل جهده وعمله لها. ألف 130 كتابا ولم ينله من ريعها شيء يذكر، بل كان يدفع أحيانا من حسابه الخاص للتكلفة التي تزيد على ما يتم الاتفاق عليه مع الناشر.
نعم، لم يترك مالا، ولكنه ترك وراءه سمعة طيبة وإرثا علميا زاخرا بالمفيد في العديد من العلوم الشرعية التي ندعو الله أن ينفعه وينفع المسلمين بها. كما ترك أولادا - نحسبهم والله حسيبهم - صالحين، إذ ما كان يبلغ أحدهم، ذكرا كان أو أنثى، الخامسة عشرة من العمر، إلا وقد أتم حفظ كتاب الله كاملا. بل إن التمايز والمنافسة بينهم تكون في عدد الإجازات التي يحرزها كل منهم في قراءات القرآن الكريم.
ولنا مع صبره واحتسابه وقفة، فبعد أن تم تشخيصه بالسرطان في البنكرياس في رجب الماضي، طلب من إخوته وأسرته عدم إشاعة الخبر كي يتفرغ للعبادة ويؤم المصلين في رمضان. تحامل على آلامه وأتم بفضل الله صيام رمضان وقيامه، ثم أدى العمرة في آخره. كما أدى فريضة الحج صابرا محتسبا، إلى أن أنهكه المرض، وعاد للرياض في محرم إلى أن أصبح يؤدي الصلوات الخمس في جماعة على كرسي متحرك. زرته يوم الخميس السابع عشر من محرم في مسجده، حينها، راودني إحساس بأنه لقاؤنا الأخير.
وفي يوم الاثنين 21-1- 1440 رأيته مسجى على نعشه والنور يشع من وجهه الطاهر. قبلت جبينه قبلة الوداع ودعوت الله عز وجل أن يجمعني به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وبرا بشيخي وصديقي، رحمه الله، فقد وعدت أن أترجم كتابه (مجموع الخطب المنبرية) إلى اللغة الإنجليزية، ليكون بإذن الله علما ينتفع به، داعيا الله عز وجل أن يستفيد منه خطباء المسلمين حول العالم، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، وأن يكتبه الله في موازين حسنات شيخنا رحمه الله، ولا يحرمني أجره.
نعم، رحل شيخنا جسدا، ولكنه باق بيننا علما وأثرا وخلقا، متربعا في قلب كل مسلم في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي.
عرفت الشيخ سعيد، كغيري من المسلمين، من خلال كتيبه ذي اللون البرتقالي الصغير حجما الكبير أثرا والأوسع انتشارا (حصن المسلم)، ذلك الكتيب الذي لاقى انتشارا واسعا، إذ ترجم إلى 44 لغة وطبع منه أكثر من 200 مليون نسخة وزعت في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وهنا قد نتساءل، لماذا كتب الله ذلك الانتشار الكبير لهذا الكتيب الصغير؟
الإجابة، في تصوري، أن مؤلفه عندما كتبه لم يرد به الكسب المادي، أو الشهرة الإعلامية، أو الجاه، بل كان يبتغي به مرضاة الله عز وجل، فآتاه الله ما تمناه.
يقول لي شقيقه الدكتور سعد: عندما سألته ذات يوم: ما السر في انتشار كتابك حصن المسلم في جميع أنحاء العالم؟ قال رحمه الله: هذا سر بيني وبين الله، فلا تسألني عنه مرة أخرى.
إن الكتابة - أيها الأحبة - عن الفقيد رحمه الله، في ذاتها تحد كبير، إذ لا مجال أن تفي الأحرف والكلمات بالإتيان على جميع خلائق هذا العالم ومناقبه، ولكنني سأسرد هنا بعض ما عرفته عنه بوصفي صديقا مقربا له.
كان من أبرز سمات شيخنا رحمه الله، أنه يشعر كل من يجالسه بأنه قريب منه، يلاحظ ذلك في تواصله البصري مع جميع من في مجلسه، حديثه يجعل مستمعيه ينصتون له حبا، لا مجاملة، لم يستأثر قط بالحديث لنفسه أو عن نفسه، وإن تحدث غيره كان خير منصت. كان رحمه الله يختم كل مجلس يحضره ببعض النصائح الدينية التي لا تزيد على 3 أو 4 دقائق، تستقر كل كلمة منها في قلوب مستمعيه.
الجانب الآخر المهم في شخصيته رحمه الله أن جميع من قابله ومن لم يقابله، بصرف النظر عن جنسياتهم أو توجهاتهم الفكرية، جميعهم يجمعون على حبه، إذ كان ينأى بنفسه عن التصنيفات والتحزبات، فلم يكن قط تابعا لتيار معين أو فكر منحرف، بل أشغل نفسه بالعبادة والتأليف والعمل ليل نهار للآخرة، مكرسا كل جهوده نحو تحقيق ذلك الهدف الوحيد. هذا الإجماع ينعكس جليا في التغطية الإعلامية لوفاته رحمه الله، إذ إن جميع القنوات العربية بمختلف توجهاتها ومشاربها بثت خبر وفاته وذكرت مناقبه وتحدثت بإسهاب عن مناقبه ومؤلفاته الـ 130، وبالذات حصن المسلم.
لم يكن رحمه الله ثريا ولم يترك وراءه مالا، بل كان عالما زاهدا في دنياه، مقبلا على آخرته مسخرا كل جهده وعمله لها. ألف 130 كتابا ولم ينله من ريعها شيء يذكر، بل كان يدفع أحيانا من حسابه الخاص للتكلفة التي تزيد على ما يتم الاتفاق عليه مع الناشر.
نعم، لم يترك مالا، ولكنه ترك وراءه سمعة طيبة وإرثا علميا زاخرا بالمفيد في العديد من العلوم الشرعية التي ندعو الله أن ينفعه وينفع المسلمين بها. كما ترك أولادا - نحسبهم والله حسيبهم - صالحين، إذ ما كان يبلغ أحدهم، ذكرا كان أو أنثى، الخامسة عشرة من العمر، إلا وقد أتم حفظ كتاب الله كاملا. بل إن التمايز والمنافسة بينهم تكون في عدد الإجازات التي يحرزها كل منهم في قراءات القرآن الكريم.
ولنا مع صبره واحتسابه وقفة، فبعد أن تم تشخيصه بالسرطان في البنكرياس في رجب الماضي، طلب من إخوته وأسرته عدم إشاعة الخبر كي يتفرغ للعبادة ويؤم المصلين في رمضان. تحامل على آلامه وأتم بفضل الله صيام رمضان وقيامه، ثم أدى العمرة في آخره. كما أدى فريضة الحج صابرا محتسبا، إلى أن أنهكه المرض، وعاد للرياض في محرم إلى أن أصبح يؤدي الصلوات الخمس في جماعة على كرسي متحرك. زرته يوم الخميس السابع عشر من محرم في مسجده، حينها، راودني إحساس بأنه لقاؤنا الأخير.
وفي يوم الاثنين 21-1- 1440 رأيته مسجى على نعشه والنور يشع من وجهه الطاهر. قبلت جبينه قبلة الوداع ودعوت الله عز وجل أن يجمعني به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وبرا بشيخي وصديقي، رحمه الله، فقد وعدت أن أترجم كتابه (مجموع الخطب المنبرية) إلى اللغة الإنجليزية، ليكون بإذن الله علما ينتفع به، داعيا الله عز وجل أن يستفيد منه خطباء المسلمين حول العالم، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، وأن يكتبه الله في موازين حسنات شيخنا رحمه الله، ولا يحرمني أجره.