فهد عبدالله

العادات الإيجابية النوعية

السبت - 06 أكتوبر 2018

Sat - 06 Oct 2018

قد يلمس الإنسان من خلال الممارسات الشخصية وتجارب الآخرين المتعددة في مجال تنمية الذات أن تكوين عادات إيجابية نوعية قد يكون أكثر نجاعة وفائدة وذا أولوية من تحديد أهداف شخصية والعمل على تحقيقها.

ربما يكون هناك تقاطع بين العادات والأهداف في الديناميكية التي تجمعها، ولكن عندما نتصورها بشكل مجرد سيتشكل لدينا أن المداومة اليومية على عادة إيجابية يكون لها أثر كبير جدا مع الزمن قد يفوق مسارات وضع الأهداف ومحاولة تحقيقها.

سأطرح مثالا هنا، ماذا لو كان هناك عازف موسيقي ولديه هدف صناعة نوتة موسيقية فريدة تتطاير بها الألحان من خلال ممارسة تدريبية يومية؟ ماذا لو كان هذا العازف ليس لديه هذا الهدف ولكن يقوم بنفس الشكل التدريبي اليومي؟ في ظني سيحصل على نتائج أكثر من صاحب هدف النوتة الموسيقية الفريدة.

وسأذكر بعض الأسباب من وجهة نظري التي تجعل من الشخص صاحب العادات الإيجابية أكثر تفوقا من ذلك الشخص المؤطر بسياج تحديد الأهداف وتحقيقها:

- من الأمور التي قد يصاحبها قلق معرفي لدى الإنسان مسألة تحديد الأهداف الكبيرة في الحياة وصوابية اختيارها، وهذا التحديد والتقييم للأهداف قد تقل فيه حالة القلق إذا كانت هناك عادات إيجابية نوعية يومية يقوم بها الإنسان، بالإضافة إلى أن تكوين عادة إيجابية يسهم بشكل ملاحظ في صياغة منجزات جديدة ليست في إطار التخطيط مسبقا، فمثلا تكوين عادة القراءة التخصصية اليومية يوما ما ستبلور لك هدفا واضحا في إضافتك الحياتية تجاه هذا المجال فضلا عن المنجزات التي ستحصل عليها دون توقع مسبق.

- الهدف ينتهي بمجرد تحقيقه ولكن العادة تبقى مستمرة، وليس لها وقت للانتهاء، فضلا عن أنها قد تكون بمثابة خط إنتاج يفرز مزيدا من الأهداف المختلفة والمنجزات غير المتوقعة سلفا.

- الهدف ينشغل به الإنسان مراقبة وتوترا مع محاولة اللحاق به في حال التأخر، مما قد يؤثر على حالة السعادة المنتظرة في ترقب تحقيق الهدف، بينما العادة الإيجابية النوعية تلغي فكرة السعادة المنتظرة في الأساس وتستبدلها بفكرة سعادة دائمة بتحقيق المنجزات اليومية التي كونتها العادات التي ستصنع منجزات متراكمة وكبيرة مع مرور الوقت.

- الأهداف الطويلة الأجل لها قصص فشل كثيرة جدا، قد يلمسها الإنسان في ذلك الحماس المتقد في اليوم أو الأسبوع الأول ومن ثم حالة تراجع القهقرى التي قد تظهر على شكل تأجيل تحقيق الهدف إلى أجل غير مسمى، بينما العادات الإيجابية سهلت على الإنسان الاهتمام بجهد ميسر دوري له نتيجة مباشرة ونتائج متراكمة متعاظمة مع مرور الزمن.

- الأهداف المحددة التي تنتهي بمجرد تحقيقها يظل أثرها الإيجابي المنحوت في تضاريس الشخصية محدودا بالمقارنة مع الآثار الإيجابية لتكوين العادات الإيجابية النوعية.

- العادة اليومية يمكن التحكم بها لسهولة إجرائها في حيز زمني دوري، والعكس يصح بنسبة كبيرة في تلك الإجراءات لتحقيق الأهداف الطويلة الأجل.

لذلك ليست مبالغة إن قلنا إن من أكبر أسرار النجاح بعد توفيق الله تكوين عادات إيجابية نوعية، لأنها كفيلة بتوليد نجاحات مستمرة.

هناك عبارة ملهمة لشارلز نوبل التي تتحدث عن أثر تكوين العادات في صناعة الإنسان «في البداية نصنع عاداتنا ثم هي تصنعنا»، فإذا تمت صنع عادة إيجابية نوعية بالتأكيد ستأخذ قسمتها من نسبية النجاح الذي سيشكله مجموع العادات الإيجابية الشخصية.

وإن قلنا إن ذلك من أكبر أسرار النجاح فهو أيضا من أصعبها، فالالتزام بسلوك إيجابي نوعي وبشكل دوري أمر ليس بالسهل وبحاجة لجذوة إرادة مستمرة، لذلك كانت صفة الديمومة للأعمال رغم قلتها مدار أحب الأعمال إلى الله، كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».

وأخيرا ليس المراد هنا التقليل من أهمية الأهداف والعمل على تحقيقها، وإنما إبراز أهمية تكوين عادات نوعية مستمرة، وأنها بلا شك ستجعل من رصيد الإنجازات يتعاظم يوما بعد آخر على خلاف تلك النتائج التي حدثت من خلال أهداف تحققت وتوقفت عند ذلك.