سعيد آل عاتق

الحياة في العالم الافتراضي

الاثنين - 01 أكتوبر 2018

Mon - 01 Oct 2018

في نهاية القرن الماضي وصفت الصحافة بالسلطة الرابعة، وليس ذلك باعتبار الترتيب، إنما على سبيل الاصطفاف بجوار السلطات الثلاث في نظام الحكم، فالإعلام هو السلطة التي تبني رأيا شعبيا عاما قد يوجه القرارات المرتبطة بحياة الناس وحركة المجتمع وثقافته، وقد تنبأ الفيلسوف الفرنسي فولتير في وصفه للصحافة بأنها «آلة يستحيل كسرها وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالما جديدا».

وفي وقتنا الحالي أصبحنا نتحدث عن عوالم متعددة، عالم حقيقي نعيشه وتضمر مساحاته يوما بعد يوم، وعالم آخر افتراضي ينطلق بجرأة وتمرد في الأثير والأجواء، ويفتح لنا أبوابه المتنوعة في أجهزة الهاتف الجوال، إنه عالم فسيح جدا يزداد اتساعا وإدهاشا في كل لحظة.

ولسنا بحاجة لمن يستشرف لنا ويتنبأ بقوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعية وما تملكه هذه الشبكات الاجتماعية الالكترونية من عوامل القوة وسبل الضغط وسحر التغيير بشكل متسارع ومخيف.

وسائل التواصل الاجتماعية ميادين فوضوية ضخمة مليئة بالجماهير واللاعبين الذين يشاركون السياسي في قراراته، والاقتصادي في توجهاته، والتربوي في توجيهاته، ويزاحمون الأب في بيته، والمعلم في فصله، والخطيب في منبره، بل يتسللون بين الإنسان ونفسه في بناء أفكاره وتشكيل تصوراته، والتأثير غير المباشر لا يكاد يحصى من اتساعه وتنوعه في الأفكار والمعتقدات والاتجاهات والعلوم والفن والثقافة والقيم والعادات، وغيرها من المكونات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.

وللإنصاف والموضوعية فإن ذلك التأثير ليس بالضرورة أن يكون تأثيرا سلبيا، بل الحديث عن قوة وسلطة التأثير بغض النظر عن اتجاهه.

إن أروقة الحسابات الاجتماعية تعتبر صناعة وإنتاجا ورأس مال وسيطرة وتوجيه فكرة للمجتمع الإنساني، صحيح أنها قادرة على نقل الناس للعيش في أعماق مشكلات مجتمعهم أو مجتمعات أخرى أحيانا وتوفر لهم إمكانية تكوين الآراء والتعليق على نوعية أكل البطاريق في القطب المتجمد وجدوى الرحلة السياحية إلى المريخ، ولكنها في المقابل قد تضعف الوعي بالمشكلات الحقيقية للشخص من خلال إغراق انتباهه في مشكلات افتراضية وجدلية أحيانا.

كان الأبناء قديما يتلقون التربية والمعرفة من مصادر محددة تتمثل بالوالدين والمعلم، وفي أحسن الأحوال الإذاعة والتلفاز، أما مع وسائل التواصل الاجتماعية والإعلام الجديد فقد ازدادت مهمة التربية صعوبة في خضم سحر الصور التي تنقلهم إلى عالم عائم مليء بالإثارة والحيوية حتى وهم في غرف نومهم.

ورغم جهود بعض الآباء في فرض نظام صارم يساعدهم على ضبط أبنائهم من أجل استخدام التقنية على الطريقة التي يرون أنها صحيحة، إلا أن ذلك قد يولد رغبة عكسية جامحة من أجل الوصول إلى عالمهم المحبب الذي يعتقدون أنه هو العالم الحقيقي ويرفضون تسمية الآباء له بالعالم الافتراضي.

والحقيقة التي لا يصح أن نتردد في قبولها أننا قد أبحرنا ومضينا في محيطات التقنية وبين أمواج الاتصالات، فهي تحيط بنا إحاطة الهواء، ولا نكاد نستطيع مجرد تخيل العالم بدونها، وقد تأملت لو أن للواي فاي ألوانا؟ لو أن للتطبيقات الاجتماعية أسلاكا؟ كيف سيكون المنظر؟

إن المستقبل للتقنية ووسائلها التي ستزداد جاذبية وإبهارا وتشويقا لنستمتع بها بشكل أكبر ونتعايش معها بصورة أعمق.

ويبقى أن نعلم كآباء أن هذا الجيل مختلف ومتجدد، ولا سبيل إلا بالتوجيه وبناء الرقابة الذاتية داخل الابن، والمتابعة المستمرة والحكيمة دون منع تام ولا إهمال وتساهل قاتل، ولا بد من الحوار ومشاركة الأبناء وقضاء الأوقات معهم، وتوثيق العلاقة معهم، تلك العلاقة التي تبنى على المحبة والاحترام، وليس على الشك والاتهام، ونتذكر أن أفضل وسيلة للتأثير هي التربية بالقدوة.

saeed_ateq@