محمد بن طامي

الأثر التنموي لقطار الحرمين

الاثنين - 01 أكتوبر 2018

Mon - 01 Oct 2018

مما لا شك فيه أن مشاريع البني التحتية ذات أثر اقتصادي وتنموي واجتماعي كبير، وهناك نوعان لهذا الأثر؛ مباشر وغير مباشر. ولو أخذنا مشروع قطار الحرمين، أحدث مشاريع النقل العام في المملكة، والذي تم تدشينه برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، لوجدنا أن وسائل الإعلام أسهبت في تغطية النتائج المباشرة المتوقعة من المشروع، بدءا من الطاقة الاستيعابية المقدرة بـ 60 مليون راكب سنويا (بمعدل 160 ألف راكب يوميا) على امتداد 450 كلم، مرورا بتقليص المدة الزمنية للرحلات البرية من مكة إلى المدينة إلى ساعتين ونصف الساعة، وتوطين الوظائف على المدى الطويل سواء في التشغيل أو الصيانة. ومما لا شك فيه أن للمشروع أثرا إيجابيا على اقتصاد الدولة من خلال المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

وللحصول على نظرة شمولية ومتعمقة حول الآثار التنموية لقطار الحرمين (وللمشاريع المستقبلية المشابهة)، لا بد من تسليط الضوء على الآثار المباشرة وغير المباشرة، ووضعهما في إطار واحد لتقييم الاستفادة القصوى والفاعلية الكاملة للمشروع. وللتأكيد فإن القاعدة الذهبية لعمل تقييم منهجي للوصول لنتائج دقيقة هي توفر البيانات اللازمة، وهذا يحتاج دائما إلى رصد وجمع البيانات المتعلقة بكل أثر قبل البدء بتنفيذ المشروع، ومقارنتها ببيانات ذلك الأثر بعد التشغيل الفعلي، حتى الوصول لمرحلة التشغيل القصوى (مرحلة النضج) للمشروع.

فالمساهمة في تقليص نسبة البطالة أثر رئيسي للمشروع، غير أن هناك نوعين من الوظائف المستحدثة نتيجة للمشروع، مباشرة (يسهل قياسها والتحقق منها) متمثلة في عدد الوظائف الدائمة المستحدثة لتشغيل وإدارة وصيانة المشروع، والوظائف الموسمية التي يتم استحداثها عادة خلال مراحل الإنشاء فقط. كما أن هناك وظائف غير مباشرة لا يجب إغفالها، حيث يتجاوز عددها في بعض الحالات عدد الوظائف المباشرة، والحديث هنا عن الوظائف المستحدثة في قطاع التدريب والصيانة، ووظائف المبيعات في المحال التجارية والمرافق السياحية ليس فقط في محطات القطار الخمس، بل وفي المناطق المجاورة لها أيضا.

وتجدر الإشارة إلى أن هنالك بعدا آخر مرتبطا بمؤشر التوظيف يغفل عنه كثيرون وهو عدد الوظائف القائمة التي تم الحفاظ عليها نتيجة لقيام المشروع. فعلى سبيل المثال قد تشهد بعض الأنشطة التي تعاني من ركود قد يصحبه تقليص في عدد الموظفين، انتعاشا مرتبطا بإنشاء المشروع يقود كنتيجة إيجابية إلى المحافظة على أولئك الموظفين الذين كانوا على وشك التسريح من وظائفهم.

كما يعد الأثر البيئي من الآثار الهامة جدا، حيث يسهم المشروع في تقليل نسبة الانبعاثات الكربونية، غير أن قياس هذا المؤشر يحتاج إلى رصد ومقارنة نسبة الانبعاثات قبل وبعد إطلاق المشروع، وهو مرتبط بمتوسط عدد المركبات المستخدمة للطرق البرية من مكة إلى المدينة مرورا بجدة ورابغ خلال أيام العمل الأسبوعية وعطلة نهاية الأسبوع. كما أن تناقص عدد المركبات على الطرق السريعة له بعد تنموي آخر، فقد يخفض نسبة عدد من المؤشرات الهامة كعدد الحوادث، وبالتالي عدد الوفيات أو الإصابات المزمنة، وهو ما سيقود إلى توفير مبالغ علاجية طائلة سواء على الدولة أو المصاب، وتقليل نسبة استهلاك الطرق، وبالتالي زيادة العمر الافتراضي لها، وغيرها من المؤشرات.

من ناحية أخرى، يجب تسليط الضوء على المناطق المجاورة لمحطات القطار الخمس قبل وبعد المشروع، لتقييم الأثر التنموي الناتج عنه اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا.

وأخيرا لا بد من تقييم الأثر النفسي متمثلا في رضا الحاج والمعتمر والزائر عن الخدمة المقدمة، والحاجات التي تمت تلبيتها أو توفيرها من خلال مشروع قطار الحرمين. ما تم ذكره واجب التطبيق في المشاريع القادمة كمشاريع مترو الرياض ومطار الملك عبدالعزيز الدولي وغيرهما من المشاريع التي تنبئ بمستقبل مزدهر ومشرق.

Mohamed_BinTami@