مي محمد الشريف

ما بين منع وحرق الكتب

الجمعة - 28 سبتمبر 2018

Fri - 28 Sep 2018

نسمع بين آن وآخر عن قرارات عن منع بعض الكتب لأسباب مختلفة، قد تكون منها أيديولوجية أو سياسية أو دينية. ولا يمكن استيعاب هذا الأمر أو تبريره، وأنا مع كثيرين غيري ننحاز للقارئ الذي يود قراءة ما يحلو له حتى في ظل المنع، فنحن نعيش في عصر الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي الذي يتيح للجميع قراءة ما يرغبون بكل أريحية عبر ضغطة زر. وقد تزيد عملية منع كتاب ما من شهرته وزيادة الطلب عليه، فتزيد شعبيته ويتضاعف الإقبال عليه وإن كان دون المستوى، ولكن قرار منعه يشجع القراء على السؤال عنه والسعي إلى قراءته لمعرفة أسباب المنع على الأقل.

وقد تتبادر إلى ذهن الإنسان السبل التي تم فيها منع الكتب عبر التاريخ، فوصل بعضها إلى أساليب دموية، وقتل المؤلفين، وصولا إلى حرق كتبهم. ففي العصور الوسطى اتخذت الكنيسة الكاثوليكية موقفا حازما من الكتب، وغالبا ما تم توجيه انتقادات ومنع ضد مئات الكتب وملاحقة مؤلفيها، فضيقت على العلماء والكتاب، مما أدى ببعضهم إلى تأليف الكتب ونشرها بأسماء مستعارة خوفا من التعذيب والقتل.

ولعل أبرز قضية كانت هي صراع الكنيسة والعالم جاليليو الذي حوكم عام 1616 وسجن في منزله بعد نشره كتابا بين فيه نظرية دوران الأرض حول الشمس، واتهم بالهرطقة والاعتراض على ما جاء في الإنجيل.

وفي الماضي السحيق اتجه بعض القادة إلى نشر الأمية ومنع التعلم، مؤمنين أن الجماهير الأمية سهلة الانقياد مقارنة مع الجماهير المتعلمة. ففي فترة 246 قبل الميلاد حاول القيصر الصيني شيهوانغ-تي إلغاء القراءة عندما أمر بحرق جميع الكتب الموجودة في إمبراطورتيه، وتمت معاقبة كل من أخفى كتابا بأن يظل يعمل في بناء سور الصين العظيم كعقوبة أبدية لا تسقط مدى الحياة. وانتقلت محارق الكتب من الصين إلى مناطق عدة في العالم، كالقدس وأثينا، مرورا بالقاهرة وبغداد.

أما من أشهر المحارق الإسلامية فكانت لكتب القاضي الجليل ابن رشد عام 1198 في ساحة إشبيلية، وذلك بعد خلافه مع الخليفة المنصور، حيث اتهم بالزندقة والخروج عن تعاليم الدين، وحكم عليه بالنفي وحرق كتبه.

آما آخر المنضمين إلى نادي حارقي الكتب فهو تنظيم داعش الإرهابي الذي قام بمحرقة هائلة للكتب بعد السيطرة على مدينة الموصل في العراق وإفراغ الكتب من مكتباتها العامة والخاصة.

هذه الحادثة تعود بذاكرتنا إلى محرقة هتلر عام 1933 في مدينة برلين عندما أحرق 20000 كتاب أمام آلاف المتجمهرين.

انتحر هتلر وتحررت الموصل، منع هذا الكتاب أو ذاك ثم تحرر من المنع، ومهما حاول الإنسان إخفاء الكتب فإنها تظهر وتنتشر ولو بعد حين. فلماذا المنع؟

أحرقت كتب الفقيه ابن حزم بعد خلاف بينه وبين الخليفة المعتضد بن عباد، فكتب ابن حزم أبياتا خلدها التاريخ، منها:

فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي
تضمنه القرطاس بل هو في صـــدري

يسير معـي حيـث استقـلت ركـائــبي

وينزل إن أنزل ويدفن في قبري



ReaderRiy@