زهير ياسين آل طه

العد التنازلي لجودة الحياة مع اللجان العمالية

الجمعة - 28 سبتمبر 2018

Fri - 28 Sep 2018

البيئة العملية السلبية هي نتاج خلل إداري وتنظيمي استراتيجي تعيشه بعض التنظيمات العملية المحلية والعالمية، والتي تحتاج لدراسة متعمقة لإعادة ضبط البوصلة التطويرية لديها بسبب توجه بعض قيادييها القصّر فكريا لو صح التعبير، في استغلال القوانين والصلاحيات مصلحيا أو سوء تطبيقها بجهل مطبق لتتعدى أحيانا الحقوق الإنسانية والأخلاقية والتوافقية التي يحتاجها المنخرط في السلك العملي، وتشهد عليها وتوثقها تقارير وإحصاءات ودراسات محلية وعالمية لبيئات العمل الناضجة، وأقربها تقرير سي إن بي سي العالمي الصادر في يوليو 2018. ومضمونه أن التنظيمات العملية كان جل تركيزها على مهارات القوى العاملة بغض النظر عن دفع جودة الحياة والتعليم والتقنية والابتكار في ذات المسار، والربط بينها من أجل التكامل العملي والإبداعي والإنتاجي، وهو ما يعتبر واقعا عمليا غير ملتزم تماما بما تعنيه وتتطلبه الحقوق العمالية والنزاهة والعدالة وتكافؤ الفرص في التوظيف والتطوير.

مضمون ما يسمى لغويا بالعد التنازلي الذي سيأتي الحديث عنه وربطه بجودة الحياة قد يعني الإيجابية تارة، وقد يعني السلبية تارة أخرى، فحينما يكون انطلاقا لأنظمة وبرامج حيوية جديدة أو معاد هيكلتها وهندستها وتطويرها وفقا لاستراتيجيات مدروسة وناضجة وواضحة وموجهة ومراقبة؛ فإنها تأخذ طابعا مباركا ومقبولا من الجميع يؤثر على قدرة التحمل والصبر والشوق والانتظار لدى المتلقين لاستشراف النتائج والاستمتاع بالنجاحات، والعكس صحيح حينما يكون عدا تنازليا موجها نحو الهبوط في ديمومة ومتانة المجتمع والتنظيمات العملية والتناغم والانسجام بين الأنظمة والقوانين وبين ممارسيها، ونحو التجرؤ والتسلط والتهميش والمراوغة على كل مقومات العمل الاستثماري للبشر والمصادر في آن واحد.

من يراقب العد التنازلي عادة يصاب بالخوف والتوتر وارتفاع دقات القلب إذا اتسم بالسلبية، وقد يترتب عليه قرارات مستعجلة وقلة الدقة محفوفة بالأخطاء، ومن يراقب العد التنازلي المتغير في كينونة السرعة والتسارع قد يكون له جانب إيجابي داعم للسعادة، كما أوضحت دراسة حديثة في أغسطس 2018 من جامعة بين ستيت الأمريكية Penn state أن عددا من المشاركين في بحث تطبيقي متعلق بالعد التنازلي للوقت أظهروا مزيدا من الصبر والهدوء عندما تحركت الساعة المستخدمة نزولا بسرعة أكثر للوقت المتبقي مقارنة بساعة أخرى كانت تتحرك ببطء في العد التنازلي للوقت المتبقي، في توجه من الباحثين لدفع الناس مستقبلا لدراسات متعمقة لاستشعار قيمة الوقت وتقييم الناس بناء عليه واستثماره استثمارا يليق بجودة الحياة والسعادة التي تنتج من مفهوم الصبر والانتظار المريح.

والشيء بالشيء يذكر في أمثلة ودراسات أخرى متعلقة بتطبيق العد التنازلي الإيجابي مختصة بالحركة المرورية والسائقين من ناحية وضع عداد وقت تنازلي في إشارات المرور، مؤداه ضبط الالتزام ومراقبته من أجل تحسين سلوك واستجابة وتحكم السائقين واحترامهم وتعاملهم الآمن مع القيادة الآمنة.

الربط عالميا بين جودة الحياة وتأثرها نزولا وصعودا «سلبا وإيجابا» بالحقوق العمالية وقوة وجود اللجان العمالية أو النقابات العمالية أمر مهم جدا للمجتمعات الناهضة والمتطورة التي تصب تركيزها على مخرجات الابتكار والاقتصاد المعرفي، من خلال تنمية الذكاء والإبداع للإنسان كمصدر رئيس للنمو والتطوير المستمر.

وبما أننا في المملكة لسنا بمعزل عن العالم وخططنا واضحة وصريحة نحو تعميق الاتجاه التنموي والاستثماري للفرد التي تؤكد عليه رؤية 2030 والتحول الوطني 2020، لا بد من تعميق تطبيق ومراقبة تنفيذ الحقوق العمالية للخروج بالمجتمع العملي نحو التفاؤل والسعادة والراحة الذهنية للإنتاج الابتكاري المميز.

فمنذ أن تمت الموافقة السامية على تأسيس اللجان العمالية للمنشآت السعودية تحت مظلة وزارة العمل مع بداية القرن الـ 21 ورحبت به شركات كبرى ونفذته بحذر وبتحفظ نوعا ما، وضعته تباعا وللأسف نحو العد التنازلي السلبي بسبب الارتباط بالوزارة وبها، مما أدى لضعف اللجان وتربع مؤشر القوى العاملة على بقية المؤشرات التي ذكرها تقرير سي إن بي سي العالمي آنف الذكر.

ومع تغير كثير من أنظمة وزارة العمل والوزراء لم نجد أي تطوير ملموس للجان العمالية في الساحة العملية ونموها واستدامتها وتكاثرها، عدا تأسيس اللجنة الوطنية للجان العمالية تحت مظلة الوزارة أيضا، بل المطلع بعمق على أعمال وإنجازات اللجان العمالية - وأنا من مؤسسي إحدى تلك اللجان العمالية وممثل للجان العمالية السعودية في إحدى دعوات مجلس الشورى وفي الحوار الوطني السابع للعمل والتوظيف عام 2006 - يعي الانكماش الحالي الذي تعيشه معظم اللجان العمالية، والسبب هو استمرار ارتباطها بوزارة العمل بدلا من أن تتحول مستقلة بعد مضي أكثر من 14 عاما أو مرتبطة بمجلس الشورى أو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مثلا، ليكون لها القرار الحكيم الإيجابي والمستقل لمصلحة وحماية الممارس والمنشأة في الوقت نفسه، والحد من الانتهاكات والفساد الإداري والمالي.

zuhairaltaha@