حسن علي العمري

التحكيم

الثلاثاء - 25 سبتمبر 2018

Tue - 25 Sep 2018

تسعى كثير من الدول للانفتاح الاقتصادي على بقية العالم بإصدار قوانينها التي تنظم النواحي الاقتصادية لتهيئة مناخات آمنة لبيئات عمل اقتصادية متوازنة على كافة المستويات المجتمعية، لتضمن عدم التجاوز على أي حق، ولا زالت كثير من النزاعات التي تنشأ بين أطراف الأعمال الاقتصادية مصدر قلق لا يتوقف، خاصة في المجال الاستثماري، مما جعل كثيرا من المستثمرين ينصرفون عن الدخول في أسواقها خشية عدم حسم ما يثور من نزاعات لاحقة قد يكونون طرفا فيها، خاصة مع استطالة مدد القضايا المقدمة للمحاكم المختصة التي قد تصل لأعوام عدة دون نتيجة، فكان التحكيم الطريق الآمنة والسبيل الأفضل التي يلجأ إليها المتنازعون لحل نزاعاتهم في هذا المجال، وهو ما حدا بالكثير من التشريعات لإصدار قوانين بهذا المسمى والسير فيها على نحو يراه الجميع فتحا في هذا الاتجاه ويطمئنون لآلياته ونتائجه.

وقد منحت بعض النظم التحكيم قواعد خاصة وأخرى دمجته مع أنظمة مقاربة له وإن كان التوجه الدولي سائرا في اتجاه متقارب، خاصة التحكيم التجاري مع منحه والقائمين عليه استقلالية وضمانات عالية بصفته يمثل القضاء الاتفاقي، فلا سلطان عليه إلا بما اتفق عليه الطرفان باعتباره الوسيلة السلمية لفض تلك المنازعات سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، وإن كان الاتجاه اللاتيني له فضل السبق في هذا المجال بزعامة فرنسا، فقد شاركت المملكة العربية السعودية بجهدها في هذا المجال سواء بإصدار التشريع اللازم أو المشاركة في الاتفاقيات العربية والدولية.

ويتميز التحكيم بميزات عدة وهامة، منها أن الخصومات التي ينظرها لا تعامل معاملة الخصومة القضائية بصفة مطلقة، فتكون هيئة التحكيم في حل من اتباع القواعد والإجراءات المتبعة في المرافعة أمام القضاء العام أو المتخصص.

ويناط بالتحكيم في المجمل تحقيق العدالة وتقديم الحلول القضائية لنزاع قائم مع حسم هذا النزاع ثم التنفيذ الجبري لما حكم به، ولذا يتوجب على المحكمين الالتزام بالمبادئ الشاملة للعدالة مع الاستفادة من المرونة التي أعطيت لهم وما تتميز به الخصومة المنظورة أمامهم من السهولة والبساطة، ويهدف حق الدفاع المقرر للأطراف لتحقيق المساواة من الخصوم، فيجب معاملتهم على قدم المساواة دون أي معاملة تفضيلية لأحدهم، كما أن من قواعد القضاء ألا يحكم إلا بما يطلب حينه فقط وإلا عُدّ حكمه معيبا، وهو ما يجب على المحكمين مراعاته عند نظرهم لأي نزاع معروض عليهم.

ويختلف التحكيم عن القضاء في أوجه عدة، منها نطاق الخصوصية فالقضاء أعم وأشمل، والقضاء له قواعد وإجراءات واجبة الاتباع لا يجوز مخالفتها، بينما التحكيم يتمتع بمرونة أعلى في عدم تقييده بأي من هذه الإجراءات والقواعد، وأمام القضاء ليس للخصوم الحق في اختيار قضاة معينين، بينما يمكنهم اختيار المحكمين أو الهيئات التحكيمية للتصدي للنزاع والفصل فيه، كما أن المحكم يتمتع بسلطات واسعة لعرض الحلول لإنهاء التنازع، بينما القاضي مقيد بالمعايير التي وردت في القوانين والأنظمة المرعية.

  • حق الدفاع مصان ومقدس ومكفول لكل طرف في خصومة ولا يجوز المساس به بأي حال، وعلى هيئات التحكيم مراعاته واحترامه.

  • العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز الخروج على هذه القاعدة سواء من المحكمين أو أطراف الدعوى بإضافة طلب إضافي لما في العقود السابقة إلا في حالات نادرة.

  • الخصومات أمام محاكم الدولة تعد مخاصمة قانونية منذ نشأتها حتى انتهائها محكومة بقواعد المرافعات الثابتة، بينما لخصومات التحكيم طابع مختلط ينشأ تعاقدا وينتهي تفاهميا.

  • القرار الصادر من التحكيم لا يمكن تنفيذه جبرا إلا بعد صدور أمر تنفيذي من القضاء، والحكم القضائي ينفذ إذا حاز القطعية دون الحاجة لاتخاذ إجراء مكمل له.




[email protected]