آلاء لبني

عقوبات لا توازي الجرم البيئي

الثلاثاء - 25 سبتمبر 2018

Tue - 25 Sep 2018

في مقال سابق ركزنا على الصيد الجائر وصيد الطيور المهاجرة تحديدا واختلال التوازن البيئي، وأهمية ضبط المخالفين عن طريق الأمن العام. واختتمت الحديث بأهمية دور لجان إمارات المناطق التابعة لوزارة الداخلية، وهي اللجان المعنية بالنظر في مخالفات أحكام نظام صيد الحيوانات والطيور البرية، ومخالفة نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية، وتطبيق الجزاءات الواردة بحسب الأنظمة.

وهنا أتساءل: هل اللجان المكونة على قدر عال من الوعي البيئي بأهمية النسور مثلا للتوازن الحيوي والموائل الطبيعية؟ التخصص الشرعي يشترط في تكوين هذه اللجان، هل هو التخصص الوحيد المطلوب؟

المتابع لواقع الاعتداءات والجرائم تجاه الحياة الفطرية يجدها تتزايد بشكل لافت للانتباه، مما يتنافى مع تنفيذ أحكام الاتفاقيات البيئية والفطرية التي تعترف بها المملكة.

ما هي أبعاد المشكلة؟ إن التأكيد على جانب التوعية أمر ضيق الأفق، لا بد من نظرة شمولية تركز على كل الأبعاد، وجزء من الخلل يكمن في العقوبات غير المواكبة لحجم الجرائم البيئية، فهناك قصور وضعف في اتخاذ الإجراءات الحاسمة لتطبيق العقوبات الرادعة.

ولتوضيح ذلك سأورد الآتي:

- كل الأحكام ابتدائية تخضع لنظر ديوان المظالم، مما يعني تطويل أمد التقاضي وإمكانية تخفيف العقوبات، حيث إن دور الديوان هو «إما الموافقة على الحكم أو تخفيف العقوبة فقط».

- مدة الاعتراض على قرار اللجنة أمام ديوان المظالم خلال 60 يوما من تاريخ التبليغ بالقرار، قد يستغرق التقاضي لدى ديوان المظالم أكثر من ثلاثة أعوام، مما يعني تأخير العدالة وترك المتهور يلوذ بفعلته.

- نظام مخالفة أحكام الصيد صدر عام 1420هـ، وهو نظام قديم لم يتم تحديثه ليواكب العصر، وليس مفعلا بالشكل المطلوب.

- المادة الثانية من النظام نصت على «لا يجوز لأحد مباشرة الصيد دون الحصول على ترخيص من الهيئة أو من تفوضه وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية». هل هذه المادة مفعلة حقا؟

- ذكرت المادة الرابعة ما نصه: أجاز النظام حظر صيد أنواع معينة من الحيوانات أو الطيور بهدف حماية الحياة الفطرية وإنمائها. ولكنه لم يضاعف العقوبة إذا كانت الحيوانات من الأنواع المحظورة، ولم يخصص لها فقرة في بند العقوبات.

- لم يفرق النظام بين الحيوانات المهددة بالانقراض وغير المهددة فيما يخص تغليظ العقوبة أو مضاعفة الغرامة.

- لم يشر أي نظام سابق إلى وقوع الصيد داخل حدود الحرم المكي رغم وجود النص الشرعي في ذلك بالتعويض خاصة للمحرم. قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم».

- مشروع مسودة نظام البيئة الحالي والمواد المعنية 59-60-61 بصيد الكائنات الفطرية غير كافية لحل مشكلة الصيد الجائر، خاصة أن النظام الحالي المرتقب سيحل ويلغي نظام الاتجار بالكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها الصادر 1421 هـ.

هناك تساؤلات عدة، منها:

- لماذا لا ينظر القضاء مباشرة في قضايا الجرائم البيئية؟

- لماذا لا يتم تعريف الجريمة البيئية، بما أننا نترقب الشرطة البيئية فالأولى أن يتم تعريف الجريمة بشكل قانوني بحت، حتى تتسنى المقاضاة والمحاسبة.

الإنتربول يصف الجريمة البيئية بأنها «تتخذ أشكالا عديدة مختلفة والجريمة المعنية بالأحياء البرية هي الاستغلال غير المشروع للأصناف البرية النباتية والحيوانية في العالم، والجريمة المتصلة بالغابات تشمل قطع الأشجار غير المشروع والأنشطة المتصلة به، وصيد الأسماك خلافا للقانون، وجريمة التلوث هي الاتجار المحظور بالنفايات الخطرة أو الالكترونية والتخلص منها بطريقة غير مشروعة.. إلخ».

ومن الأمثلة القريبة منا جغرافيا ويحتذى بها للتطبيق والتطوير والعمل به لدينا الادعاء العام بعمان، إذ يعتبر الجريمة البيئية كغيرها من الجرائم تتكون من الركن المادي والمعنوي والشرعي. فالشرعية الجزائية تقتضي وجوب وجود نص قانوني سابق لفعل الاعتداء، وفي هذا إقرار لأهم مبادئ القانون الجزائي ألا وهو مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، والذي يقتضي أن يكون النص الجزائي المجرم للاعتداء على البيئة مبينا بصورة واضحة ودقيقة، حتى يسهل عمل القاضي الجزائي، كما يتم استعراض نسب جرائم مخالفة قانون الصيد البري مقارنة مع مجموع القضايا الواردة إلى الادعاء العام وبحسب المحافظات.

ختاما، تناسب العقوبة مع مقدار الضرر والجرم والإبداع في تصحيح السلوكيات الخاطئة سوف يقودنا نحو المسار الصحيح للمحافظة على البيئة، مثلا من يقطع شجرة يزرع العشرات بدلا منها ويكلف بالعناية بها.

تشترط الجوازات خلو سجلك من المخالفات المرورية عند تجديد أو إصدار جواز السفر، بينما مدمر التوازن البيئي يسرح في الأرض مرحا!

@AlaLabani_1