محمد النفاعي

الأكسيمورون وأخلاقيات العمل

الجمعة - 21 سبتمبر 2018

Fri - 21 Sep 2018

تتميز اللغة العربية عن اللغات الأخرى بالوفرة في الصور البيانية والأساليب البلاغية كالتشبيه والكناية والاستعارة والمجاز والجناس والطباق. في محاولة لإيجاد الصور البيانية نفسها في اللغة الإنجليزية، لفت انتباهي كلمة «oxymoron». الأكسيمورون كلمة أصلها يوناني قائمة على الثنائيات التي تجمع بين المصطلحات المتناقضة لتكون معنى آخر جميلا وذا مغزى.

وجدت أن أقرب ترجمة لها في اللغة العربية هي «التناقض اللفظي»، وأقرب ما يقابلها من الصور البيانية في اللغة العربية هو الطباق، أي الجمع بين الكلمة وضدها في المعنى.

الأكسيمورون يستخدم كثيرا في الأدب بأنواعه المختلفة من نثر أو مسرح أو شعر، ولكن هل هناك علاقة بين الأكسيمورون وأخلاقيات العمل «working ethics»؟ هنا سنحاول أن نطرح بعض الأكسيمورنات البلاغية، وما يقابلها من قصص تمس أخلاقيات العمل، والتي نحاول أن نتعلم منها، قال تعالى «فاقصص القصص لعلهم يتفكرون» الأعراف 176.

الأكسيمورون الأول:

الصدفة المقصودة:

أتذكر يوما وقد كنت تحت التدريب عندما أوكل لي رئيسي الأجنبي المباشر مهمة حضور أحد الاجتماعات الدورية لتعويض أحدهم. كان الاجتماع لمناقشة مراحل تنفيذ أحد المشاريع الكبرى، وقال لي لا تقلق سأكون متواجدا معك أيضا. عندما جاء دورنا للتحدث، فوجئت بأمر رئيسي بالتعليق على الرغم من أنها المرة الأولى لحضوري الاجتماع ولم أكن ملما بالتفاصيل. لم أكن مستعدا ولكن تكلمت بما كنت أعرف! بعد ذلك تدخل رئيسي وأسهب في الإجابة. تعلمت من هذا الأكسيمورون أن أكون مستعدا للصدفة المقصودة دائما، وذلك بالتسلح بالمعرفة.

الأكسيمورون الثاني: وحيد بين الناس:

في أحد الاجتماعات الإدارية مع وجود مجموعة من الزملاء في هذا الاجتماع دار نقاش عن تطورات أحد المشاريع التي كنت مديرها. كان المشروع يعاني من بطء في التنفيذ في إحدى مراحله. كان الجميع ومنهم المدير على علم بسبب الإبطاء الذي كان خارج صلاحياتي، ومحاولاتي الحثيثة لحله. أثناء النقاش استشهدت بالزملاء لتوضيح وجهة نظري في الأمر وفوجئت بأنني أصبحت وحيدا بين الناس. الزملاء أصابهم خرس مفاجئ ولم يكترثوا بالمثل القائل «الساكت عن الحق شيطان أخرس». هذا الأكسيمورون يعلمنا ألا نعتمد كثيرا على المنافسين وقت الأزمات وإن ارتدوا لباس الفضيلة وقت الرخاء. يجب أيضا التواضع في وضع سقف التوقعات عن الآخرين في بيئة العمل حتى لا تصطدم بالواقع.

الأكسيمورون الثالث: أعصاب من حديد:

المدير جاءه طلب لتنفيذ أحد المشاريع التي تدخل ضمن صلاحياتي، بعد أن أرسل لي الطلب جاءني إلى المكتب وطلب ألا أنفذ المشروع بسبب شح الموارد. بعد أن نفذت طلبه فوجئت بأن أوكل المهمة لأحدهم دون استشارتي. هنا انصهر الحديد وانفلتت الأعصاب وفي النهاية خسر الجميع. ما أجمل أن نتحاشى الحرارة لأنها تصهر الأعصاب، والأفضل أن نتعلم مهارة التفاوض وبث روح الفريق بين الموظفين وتطبيق قاعدة التعاون المربح للجانبين.

نكتفي بالتفصيل لما سبق ذكره من الأكسيمورونات، ونذكر بعضها على عجالة، تاركين لك عزيزي القارئ الإبحار معها بخيالك مع ما مر بك من أحداث، مثل «اللدغة الحانية»، «تأجيل الأولويات»، «المساهم السلبي»، و«السقوط واقفا»، و«بداية النهاية»، وغيرها.

ختاما، حاولنا من خلال هذه الأكسيمورونات تقديم دروس واقعية لبعض أخلاقيات العمل وكيفية التعامل معها، مما يساعدنا على تجاوزها بأقل الخسائر للأفراد والمؤسسات على حد سواء في حال حدوثها لنا في يوم من الأيام، لا سمح الله.

MSNABQ@