نايف الضيط

أزمة البحث العلمي في العالم العربي

الثلاثاء - 18 سبتمبر 2018

Tue - 18 Sep 2018

أصبح تقدم الأمم وتطورها يقاسان بمدى إنتاجها البحثي العلمي والصناعي، وقدرة تعليمها على مواءمة متطلبات التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق أدركت الدول الصناعية مبكرا أهمية الاستثمار في البحث العلمي ودعم الابتكار ووضعته ضمن أولوياتها التنموية. عربيا عقدت خلال العقود الماضية العديد من المؤتمرات ونشرت الكثير من الأوراق العلمية والتقارير التي تناقش قضية الاستثمار في البحث العلمي في العالم العربي، لكن دون جدوى.

المؤشرات والإحصاءات التي نشرت عالميا تبين مدى تخلف العالم العربي مقارنة بالدول الصناعية من حيث الإنفاق على البحث العلمي، وعدد الباحثين في التخصصات العلمية، وهجرة العقول العربية، وتراجع الإنتاج العلمي للجامعات

والمراكز العلمية.

ولمعرفة الحالة العربية كشف تقرير حديث صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» عن إنفاق دول العالم على البحث والتطوير، حيث جاءت أكثر الدول استثمارا في البحث والتطوير الولايات المتحدة التي تنفق511 مليار دولار سنويا، بينما تنفق الصين 452 مليار دولار، واليابان 166، وألمانيا 119، وكوريا الجنوبية 78. وأشار التقرير إلى أن أكثر خمس دول تنفق حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، هي: إسرائيل (4.3%) وكوريا الجنوبية (4.2%)، تليها سويسرا (3.4%)، والسويد (3.3 %)، واليابان (3.1 %).

أما الاتحاد الأوروبي هو الآخر فلديه خطة بإنفاق 3 % من الناتج المحلي الإجمالي لدعم البحث والتطوير بحلول عام 2020، لكن دولتين من دول الاتحاد وصلتا إلى هذا الهدف، وهما السويد حيث تصل نسبة الاستثمار إلى 3.3%، والنمسا بنسبة 3.1 %.

ويبين تقرير اليونيسكو أن تمويل أنشطة البحث والتطوير بشكل عام يأتي من قبل الحكومات والشركات ومؤسسات التعليم العالي والمنظمات غير الربحية. ويعد القطاع الخاص أكبر داعم للبحث والتطوير في البلدان ذات الدخل المرتفع، حيث يمول نحو 60 % من هذه الأنشطة في أمريكا الشمالية، وأكثر من 50 % في عدد من الدول الأوروبية، بينما يمول قطاع الأعمال نحو 75 % من أنشطة البحث والتطوير في اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية.

وأظهر التقرير أن الاستثمار في البحث والتطوير في الدول العربية منخفض على الرغم من الالتزام المالي الذي ظل ثابتا على مدى العقد الماضي.

وإذا نظرنا إلى واقع البحث العلمي العربي نجده يواجه معوقات وتحديات شتى، أبرزها ضعف الإنفاق المادي على البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مقارنة بإنفاق الدول المتقدمة، وعدم إعطاء السياسات العلمية للبحث ولابتكار دورا مهما في الخطط التنموية والاجتماعية للبلدان العربية، وضعف الإنتاج العلمي العربي وتحويله إلى منتجات ذات قيمة مضافة للتنمية الاقتصادية. كل هذه الإشكالات أسهمت في تخلف العالم العربي وجعله في ذيل القائمة في الاستثمار في البحث العلمي والتقني، كما أسهمت هذه العوامل في هجرة العقول العربية إلى الغرب لعدم وجود البيئة الحاضنة التي تحترم العقول المبدعة.

وعلى المستوى الوطني دأبت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية منذ انطلاقتها قبل نحو 40 عاما على الدعم المتواصل للبحث العلمي للجامعات والمراكز العلمية، حيث أطلقت المدينة أخيرا مرصدا للبحوث الابتكارية لرفع جودة وأداء البحوث، ومنصة للتوثيق الرقمي لأنشطة البحث والتطوير المنفذة في القطاعات الوطنية. وزارة التعليم هي الأخرى وضعت خطة طموحة لدعم البحث العلمي في الجامعات، إلا أن هناك غيابا كبيرا للقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية في المساهمة في الإنفاق على البحث العلمي.

وفي الختام لا بد أن يدرك العرب من قادة ومسؤولي المنظمات البحثية والتعليمية أن الاهتمام بقضية البحث العلمي ليس ترفا فكريا، بل حاجة ملحة لبناء الاقتصاد المعرفي والتنمية المستدامة.

@mesternm