مرزوق تنباك

الليالي والأيام

الثلاثاء - 18 سبتمبر 2018

Tue - 18 Sep 2018

يودع الناس العام المنصرف في كثير من الذكريات والأحداث التي عاشوها فيه وأثرت في حياتهم باختلاف آثارها عليهم من سرور وفرح ونجاح وفلاح وذوب للسعادة وارتياح، وذكريات لآخرين فيها ما في بعض ظروف الحياة من منغصات ومتاعب ومشكلات ومصائب، وقاكم الله منها في عامكم الجديد، وكل الفريقين رضخ لسطوة الزمن على أي حال كان عليه، وهذه سنة الحياة وطبيعة الأشياء وحكم القضاء المقدر في جبين الإنسان، ومضى العام بكل ما فيه من الحسنات وما له وما عليه وانطوت صفحته وصار كل ما واجه الناس فيه جزءا من الذكريات ولا شيء غير ذلك.

أما العام الجديد فقد استقبله الناس بالبشرى والتهاني والأفراح، وامتلأت ساحات تويتر والواتس اب وغيرهما من وسائل الاتصال بما يختلج في النفوس من الآمال والأحلام والتفاؤل بعام جديد يحمل للجميع الخير في كل أيامه ولياليه وما فيه وما عليه، ونرجو الله أن تكون حسنات العام القادم أكثر ومكاسبه أشمل ونفعه أعم، وأن تزداد النجاحات ويبعد الله المشكلات عن الناس كافة. يستقبل الجميع العام القادم بأمل ورجاء أن يكون عاما خيرا لهم من سالفه وكل استبشر وهنأ ورجا ودعا الله أن يكون الخير في مستقبلهم وفي عامهم الجديد أكثر مما كان لهم فيما مضى من الأعوام والليالي والأيام.

ولا شك أن مرور الليالي والأيام ليس ظاهرة عابرة في تاريخ البشر منذ عرفوا الزمن وعاشوا على الأرض، بل كانت مسيرة حياتهم مرتبطة في مسيرة الأيام في كل تقلبات الظروف ومتغيرات الأحوال، كانت الأيام والليالي مراحل تطور وانتقال وتغير وهي أجزاء متفرقة يجمعها الزمن السرمدي الذي ملأ الشعراء خاصة والناس عامة لحظاته بنبض العواطف وشكوا فيه ما يواجهون من تقلبات الأحوال منذ القدم، ولم يكف الشعراء والفلاسفة والناس عامة عن البحث المستمر عن علاقة الزمن فيما يلقون من الأحداث التي يتغير فيها الحال وتتبدل الظروف لصالح فريق ضد فريق آخر، ولكن الأحكم والأشهر والأظهر في التاريخ كله هو رأي المتنبي وحكمته التي صورت حركة الزمن وفاعليته تصويرا لم يسبقه أحد إليه، وما أكثر ما سبق هذا المتنبي إلى اختراع المعاني الأبكار للشعر التي لم يتطرق إليها غيره، وقد جمع في هذين البيتين معاني الزمن واختلاف الأيام، وقال فيهما كل ما يمكن أن ينطق به شاعر مثله. وصف المتنبي ما تحمل الأيام من مفاجآت يحدثها مر الزمن فأسقط عليه صفة الإنسان في مراحل قوته وشبابه وفتوته وفي مراحل ضعفه وشيخوخته وفي كل أطوار حياته مما هو نافع وضار.

وقد ربط بين متلازمتين لا تنفك إحداهما عن الأخرى؛ الوقت أي الزمن والعمر الذي يفنيه الزمن في مراحله وأطواره كلها حيث يعمل الزمن فيها عمل السحر، فما يضيع وقت إلا كان هناك جزء مهم من العمر قد أصابه الإهمال والضياع، والشاعر يؤمن بعامل الوقت وقيمته واحتوائه لفرص النجاح أو فواتها، وبهذا التوصيف يكون قد سبق مفهومنا المعاصر الذي يربط بين الزمن والإنجاز. يقول المتنبي:

وقت يضيع وعمر ليت مدته

في غير أمته من سالف الأمم

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرهم وأتيناه على الهرم

Mtenback@