طلال منصور الذيابي

رؤية كينز 2030 للنمو

السبت - 15 سبتمبر 2018

Sat - 15 Sep 2018

يعد جون ماينارد كينز الذي عاش خلال الفترة (1883-1946) أبرز مفكري الاقتصاد الغربيين، ووصفه بول كروجمان الحائز جائزة نوبل عام 2008 بأنه جمع بين الإنجاز الفكري الضخم وبين الدلالة العملية المباشرة إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، شكلت آراؤه الراديكالية جوهر النظرية الاقتصادية الغربية الحديثة، ويصنف كتابه «النظرية العامة للتشغيل والنقود والفائدة» بأنه من أكثر الكتب خطورة في القرنين الـ 19 والـ 20 على الإطلاق، خرج هذا الكتاب من رحم معاناة عقد الثلاثينات الكئيب كما يحلو لروبرت هلبرونر تسميته، لكن لهذا المفكر كتاب آخر لا يقل أهمية عن كتابه السابق ألفه عام 1930، وهو «الإمكانات الاقتصادية أمام أحفادنا»، وسر أهميته يكمن فيما استشرفه قبل مئة عام، فقد رأى كينز أنه بقدوم عام 2030 ستحل المشكلة الاقتصادية التي عنى بها ذات الحقيقة القديمة المتجسدة في وظيفة الموارد وكفايتها لتلبية الحاجات، فما الذي دعا كينز إلى هذا النوع من التفكير أو ما يحلو للبعض أن يطلق عليه «نبوءة» في تلك الحقبة العصيبة؟

لقد نظر إلى الجانب المشرق من المأساة المتمثل في ميل الاقتصاديات آنذاك إلى النمو وزيادة الإنتاجية الناجمين عن زيادة المعرفة، فكانا سببا في التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الإنتاج جيلا بعد جيل، وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع أفكار النظرية الكنزية من حيث المعتقد في بعض جوانبها إلا أننا أمام مسلمة بنى عليها توجهه منذ مئة عام، لتصبح الرؤية حقيقة لا بد من أساس متين لها في الواقع، فاعتمدت تلك الرؤية المعرفة وليست المعرفة فقط، بل المعرفة المنتجة المولدة لوسائل الإنتاج (التكنولوجيا) التي أسهمت فيما تجنيه الدول المتقدمة اليوم من ثمار في مجالات الاتصال والنقل والدفاع.

وبإطلاق المملكة لرؤيتها فهي أيضا تستشرف المستقبل ليس من قبيل التخرص بل إدراكا من صانعيها أن هذه البلاد تملك من الطاقات والموارد ما سيعينها بعد الله على تحقيقها، منطلقة من مبدأ التركيز على الابتكار في التقنيات المتطورة وريادة الأعمال، وهو ما يعني العمل على تهيئة العقول المبدعة والاهتمام بتنميتها منذ النشأة التعليمية الأولى (التعليم الأساسي)، وهي مهمة تقع بالكامل على عاتق وزارة التعليم، فهل واقع وزارة التعليم ينطق بما هو أهل لهذه المسؤولية ويمتلك نظاما يسهم في زيادة مصادر الإنتاجية عبر بناء اقتصاد معرفي منتج؟ هذا ما سنتبينه في مقال قادم بحول الله وقوته.