مرزوق تنباك

أحدثكم عن الكذب فصدقوني

الثلاثاء - 11 سبتمبر 2018

Tue - 11 Sep 2018

الكذب محرم في كل الشرائع والقوانين والأديان مؤكد على تحريمه، والاستثناء وارد على كل حال: وممن لا يستطاع تكذيبهم ثلاثة، هم: الغريب، والكبير، والأمير، الأول الغريب لا يمكن التحقق مما يحدث به إن كذب وإن صدق، أما الثاني الكبير فقد ذهب جيله الذي يعرفه ويعرف صدقه من أكاذيبه، وقد قيل في ذلك المثل الحجازي المشهور «قال: شرفني قال: إذا مات اللي يعرفك ويعرفني». أما الثالث فهو الأمير صاحب القدرة والسلطان، فيصدق عليه شطر بيت شيخ المعرة «وقالوا صدقنا فقلنا نعم». فمن ذا الذي يستطيع أن يقول للأمير كذبت، وما دام الأمر كذلك فإني سأحدثكم بالكذب وأنا واحد من الثلاثة، وعليكم التدقيق والتكذيب أو التصديق.

الكذبة الأولى:

بدأت مع بداية قدومي إليكم وإلى دنياكم هذه الجميلة، فقد كنت أنا وجيلي نختار متى نولد وأين نولد صدقوا أو لا تصدقوا، فهذه الحقيقة وما سواها باطل، والخيار لا أظنه يتمتع به أحد غيرنا من عباد الله في مشارق الأرض ومغاربها، ولا تستطيعون أنتم اليوم التمتع بهذه الميزة التي تميزنا بها، وذلك فضل الله علينا.

ومع أني أعرف أين ولدت يقينا برواية متواترة ينقلها الجمع من الناس عن الجمع غيرهم يستحيل التواطؤ بينهم على غير الصدق في تحديد المكان الذي ولدت فيه، إلا أنني استغللت الحرية في الاختيار لمكان الميلاد واخترت مكانا غيره ومضت الكذبة ولا زلت أحملها معي في كل وثائقي الرسمية حتى اليوم، وأخفيت مكان ميلادي الصحيح عن الحكومة، ولم أكتشف أنها تعرفه حتى حدث الطلاق البائن بيني وبين الوظيفة، فزودتني الحكومة مشكورة بسجل يوثق الانفصال بيننا، فإذا هو يحمل مكان الميلاد الذي ظننت أنني أخفيته عنها، إذن لا تخفوا شيئا فالحكومة تعرف كل شيء، وهي ميزة أخرى لنا نحن جيل الخيارات المتعددة التي حرمكم الله منها بعدله.

أما تاريخ الميلاد فلم أكذب به وحدي، ولكنها كذبة مركبة شارك فيها جمع من الناس الذين يؤرخون لميلادك في الحوادث والأمطار والأوبئة وقدوم الغائب وموت المشهور، وغير ذلك من الأحداث التي يعرفونها ويربطون تاريخ ميلادك بها، وقد اختلفوا أيما اختلاف في تاريخ ميلادي، ومنهم والد زوجتي عليثه الحربي حفظه الله، إذا عد لي وابنته غاضبة جعل ميلادي عام الفيل، وإن كانت راضية جعلني في الأربعين.

ثم كانت الكذبة مؤسسة ومشاركة بيني وبين الحكومة الموقرة، حيث اختارت لي ولكل مواليد عام هجري واحد من أترابي يوما مباركا نولد فيه جميعا هو اليوم الأول من الشهر السابع من كل عام هجري، فجميع مواليد المملكة في العام كله يولدون يوم 1/‏‏7 من كل سنة هجرية، وهو اليوم الذي تعلن فيه الميزانية العامة للدولة في ذلك الوقت، وهذا تضمين للرعاية الواجبة على الدولة واعتراف صريح بمسؤوليتها عن إعالة هؤلاء البشر الذين يولدون دفعة واحدة.

ولم نكتشف المأزق إلا عندما ضرب بعضنا في فجاج الأرض واكتشفنا العالم من حولنا وكان تاريخ الميلاد أحد الأسس التي يفرق بين الناس بها حين تتشابه الأسماء أو حين تزور الأطباء للاحتراز من الأخطاء، وأول سؤال يوجه إليك للتأكد من شخصيتك هو تاريخ الميلاد، فاكتشفنا خطأ ما نحن عليه وما نحن فيه من الكذب، فليس من المعقول أن يولد عشرة طلاب سعوديين - جمعهم الابتعاث في جامعة غربية - في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة، وأهم من ذلك عند الغربيين السؤال البريء عن الاحتفاء بعيد الميلاد لتقبل الهدايا والمصافحات من الزملاء، والقبلات من الزميلات، وقد يود بعضنا أن يكون له عيد ميلاد في كل شهر لعل زميلة أو معلمة جميلة تطبع على خده قبلة بريئة قد لا ينساها. وأكثرنا ورعا في الظاهر يفسر جواز تلك القبلات برأي ابن عباس في معنى اللمم المعفو عنه من واسع المغفرة (إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة).

Mtenback@