فهد عبدالله

السلامة ليست أولا!

السبت - 08 سبتمبر 2018

Sat - 08 Sep 2018

عادة في أغلب المواقع الميدانية للشركات الكبرى والمنشآت البترولية والكيميائية والمصانع تجد هذه العبارة «السلامة أولا» معلقة على الجدران وكشعار متوج في الخطابات والاجتماعات الإدارية، كأنه حقيقة لا يمكن أن يختلط بها شك، فهل فعلا السلامة أولا؟

اذهب إلى أي مستثمر أو صاحب منشأة أو رئيس تنفيذي وعند بداية هذا الاستثمار يضع الخطط، هل تتوقع أنه سيبدأ بوضع خطة من أجل السلامة أم سينظر ابتداء في دراسات الجدوى والعوائد المالية والجودة والتسويق وبقية مفردات الخطط الاستراتيجية؟ هل تتوقع أن يكون هناك مستثمر يضع السلامة فوق الأرباح المادية ويفرض إيقاف الإنتاج عندما لا تكون إجراءاته آمنة؟ هل ستجد شركة مهددة بنقص الأرباح أو الإفلاس ستجعل من أولوياتها التفاعل مع مكونات وضعها الراهن السلامة وما يتعلق به؟

في اعتقادي أن السلامة مهمة جدا وركن أساسي في أي شركة أو مؤسسة أو استثمار، لكنها ليست أولا، ولا يجب لها أن تكون أولا، ولكن يفترض أن تكون جزءا أساسا من منظومة متكاملة في المنهجية الإدارية بجوار الإنتاج والمال والجودة والموارد البشرية.. إلخ، لا تكون أولا فيكون شعارا تنظيريا أجوف ولا أخيرا فتجعل من الاستثمار أعرج لا يحسن التحرك المتوازن فضلا عن احتمالية الوقوف عن الحركة.

أما المنشآت التي لا تعترف بالسلامة ضمنيا وتراها معوقا أمام الاستثمار فهي تسيء للاستثمار والعوائد المالية أولا، فالإصابات والحوادث تعني تكاليف مالية مباشرة وغير مباشرة من خلال الوقت المفقود وتكاليف تطبيب الإصابة وإيجاد البدائل لإتمام العمل وكذلك سمعة المستثمر الذي لا يهتم بسلامة الموظفين لديه، وفوق هذا كله الإساءة الإنسانية في عدم الاكتراث بأرواح العاملين.

لا يوجد مكان وبه عنصر بشري إلا كان محفوفا بالمخاطر لكونها طبيعة كونية سواء كانت مخاطر ارتبطت بالمكان أو مخاطر متعلقة بسلوك الإنسان فعندما يروج للسلامة بأنها أولا وأنها القيمة المهيمنة على باقي القيم في المجال العملي ومع تعاقب الزمن ووجود الحوادث والإصابات فإن هذه القيمة ستفقد مصداقيتها في كونها أولا وتتجه إلى كونها مجرد شعار أجوف غير صحيح.

لذلك تجد شعار «السلامة أولا» ارتبطت به شعارات أيضا أقل شهرة ولها نفس الطبيعة الجوفاء للشعارات، كشعارات صفرية الوفات في الحوادث سنويا أو ملايين الساعات بلا إصابة عمل ولا أشكك فيها كمصداقية وإن كان هناك من خلال التجارب المتعددة في التدقيق لأنظمة السلامة وكذلك أحاديث مسؤولي السلامة الجانبية أمثلة لاهتمام المنشآت بمثل هذه الشعارات رغم وجود كم هائل من الحوادث يتم التستر عليها من أجل الحفاظ على المظهر العام و»الهياط» الإعلامي والخضوع لضغوط هذه الشعارات الجوفاء.

السلامة ليست مجرد غياب الحوادث والإصابات والاهتمام المبالغ فيه بمثل هذه النتائج، بل هي الإجراءات الآمنة التي تمنع التعرض للخطر أو التقليل من إمكانية حدوثه ضمن إطار منظومة إدارية متعلقة بهذا الهدف. قد تتحقق نتائج محتواها ملايين الساعات بلا إصابة ومعدلات الحوادث الصفرية السنوية وهذا لا يعني أبدا عدم وجود مخاطر في هذه المنشأة، ولعل استحداث آلية لقياس المخاطر التي تم درؤها في المنشأة أبلغ من شعارات إعلامية غالبا ما تكون غير صحيحة.

متى ما جعلت الإدارات العليا لأي شركة أو منشأة محور السلامة جنبا إلى جنب مع المكونات الإدارية الأخرى وفعلت فيها الأساليب الإدارية المطلوبة كما هو الحال في بقية مكونات المنظومة الإدارية الأخرى، نستطيع أن نقول إن هذه السياسة الإدارية تجاه السلامة خرجت من إطارات الشعارات الجوفاء وأصبحت تسلك الطريق المعبد نحو استثمار آمن وبيئة عملية محفوفة بمخاطر قليلة.