عبدالله العولقي

القوة البشرية في عالم اليوم

الخميس - 06 سبتمبر 2018

Thu - 06 Sep 2018

لا شك أن الدول المتحضرة والمتقدمة اليوم وصلت إلى مبتغاها عبر عوالم التقنية الحديثة والموارد الاقتصادية المخزونة في باطن الأرض والأبحاث العلمية المتطورة، ولكن كل ذلك ما كان ليحدث لولا امتلاكها قوة بشرية مؤهلة مكنتها من نيل المكانة المتقدمة التي تتبوؤها الآن، وفي جغرافيا الشرق الأوسط نكاد نجد المملكة العربية السعودية لوحدها تقريبا التي تمتلك المقومات السابقة التي تمتلكها دول الغرب، فهي تمتلك المخزون الاقتصادي من المعادن والنفط، ولديها الإمكانات المتقدمة في عالم التقنية والأبحاث، ولكن حديثنا اليوم عن القوة البشرية، فلدينا شريحة اجتماعية من معدل شبابي مرتفع يغطي الأغلبية السكانية، يمتلك كثافة موسعة من الشهادات الجامعية (محلية وأجنبية)، وهذه سمة إيجابية مهمة، حيث لو تأملنا منظومة الرؤية 2030 لوجدناها تتلمس بقوة هذه السمة الإيجابية ولديها الرغبة في تحويلها إلى قوة إبداعية وصناعية تتركز كمورد اقتصادي بشري للوطن كما حصل في تنمية الدول المتقدمة.

يقال في افتتاحيات الصحف والمجلات الاقتصادية إن ثمة حربا باردة اقتصادية تدور رحاها اليوم بين الولايات المتحدة والصين بسبب التفاقم المتعاظم في الصادرات الصينية التي غطت الولايات المتحدة بشكل مرعب ومثير، مما جعل ترمب يتحرك بفرض الضريبة على تلك الواردات التي شرعت تشكل خطرا على الصناعات والاقتصاديات داخل الولايات الأمريكية!

ولو تأملنا دولا كدول شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وسنغفورة وكذلك الهند وبنجلاديش في وسط آسيا، ومعظم دول أمريكا الجنوبية ودولة أنغولا وجنوب أفريقيا في القارة السمراء، نجد أن لديها تجارب ملهمة وخطيرة تجاه القوة البشرية، ولا شك أن النجاح الاقتصادي والقفزات التنموية التي تشهدها الأقاليم المحلية في تلك الدول مردها إلى العنصر البشري واستعماله بالمنهجية العلمية الصحيحة حتى آتى ثماره المنتظرة منه، وأضحت دولا منتجة تمتلك اقتصاديات نامية تبشر بمستقبل لأوطانها.

تأتي أهمية القوة البشرية في عالم التنمية كون العنصر البشري هو من يمتلك الأدوات التحويلية من حيث الإبداع والاختراع والتطوير والتغيير، والأهم من ذلك أنه يمتلك قدرة التغلب على ندرة الموارد الطبيعية وتجاوزها عن طريق الأبحاث العلمية والاستثمارات المتاحة، كما حصل في النموذج الياباني مثلا، وهذا لم يتم إلا بالتثقيف المجتمعي حول تأسيس ثقافة العمل والإخلاص والإتقان واحترام العادات والأنظمة بالشكل الذي يتماشى مع الخطط المنهجية في الاقتصاد الوطني.

كل ذلك لا بد أن يتماشى مع الإدارة العلمية الحديثة المتسمة بالمرونة والتأقلم مع الخطط الوطنية للتغيير، ولذا لا بد أن تحتوي منهجياتها على التدريب والتطوير والتخطيط السليم للقوى العاملة وأنظمة حديثة للتعويضات والمكافآت والحوافز للموظفين، بالإضافة إلى تطوير وتحسين الأداء الوظيفي.

يقول الدكتور مصطفى الفقي إن الاستثمار في العنصر البشري هو الأجدى على المدى الطويل، وإن الكتلة النامية في العالم المعاصر خاصة في مجالي الصناعة والسياحة، هي أمريكا وأوروبا الغربية، وذلك بسبب العنصر البشري، مما جعلها تتقدم نحو المستقبل بثبات وبقوة، وإن ما يحدث في الصين معجزة إنسانية كبرى، فلقد استطاعت بكين وتمكنت من تحويل مليار ونصف المليار من شعبها إلى قوى منتجة غزت بمنتجاتها العالم برمته!

وأخيرا، قبل وقت ليس بالبعيد كنا نستمتع بالقصص التنموية الإعجازية التي نقلت دولها من أقصى درجات التخلف إلى مصاف الدول المتقدمة، كما حصل في اليابان وألمانيا سابقا، ثم في دول النمور الآسيوية في التسعينات، إلى أن جاءت الرؤية الوطنية اليوم بقيادة الشاب الملهم وولي عهدنا الأمير المبدع محمد بن سلمان، حفظه الله، فأسعدتنا وأثلجت صدورنا، وها نحن اليوم نشيد قصة تنموية إعجازية في نقلة نوعية لوطننا عبر آفاق من الزمن نحو دول العالم اليوم، ولا سيما أننا نمتلك كافة المقومات التنموية وعلى رأسها القوة البشرية الوطنية.

[email protected]