هبة قاضي

سوبر ديما

الاحد - 02 سبتمبر 2018

Sun - 02 Sep 2018

من العجيب كيف يمكن لحيوات أشخاص لا نعرفهم أن تمسنا وتنال نصيبها من مشاعرنا. فأنا لم أعرف (ديما) شخصيا أبدا، بل عرفتها عن طريق المنشورات التي كان ينشرها زوجها سامر كردي عنها في حساباته في قنوات التواصل الاجتماعية، ثم فاجأ الجميع بصبغ لحيته باللون الوردي مطلقا هاشتاق #superDema دعما لزوجته المصابة بمرض السرطان.

حقيقة بقدر ما كانت مبادرة جريئة ومبتكرة كطريقة لرفع المعنويات والتفاني في تقديم الدعم الباطن والظاهر، بقدر ما كانت بادرة إيجابية ولها مردودات طيبة في مجتمع متحفظ في إظهار المشاعر كمجتمعنا. نعم فحتى العلم أثبت أن إظهار الدعم والحب لهما فعل المعجزات، حتى وإن لم تكن تلك المعجزة هي الشفاء، ولكن المشاعر الجميلة وروابط الحب التي امتدت في كل اتجاه معجزة أخرى في حد ذاتها تبقى مخلدة في القلوب وشاهدة على جمال إنسانية البشر .

من أكثر ما لفت نظري حين زيارتي لأحد المنتجعات الصحية هو منظر ذلك الرجل العجوز جدا الذي ترافقه زوجته العجوز جدا أيضا. كانا جميلين، حقا جميلين، ولكنني لاحظت أنه يقودها لكل مكان. بعد فتره اتضح لي أنها ليست حاضرة تماما، فهو يقوم بتأكيلها، وإلباسها وإنزالها إلى المياه المعالجة، ومن ثم تنشيفها وفرك قدميها. كان غالبا ما ينتهي بهما المطاف جالسين على مقعد في الحديقة بجانب بعضهما، يتحدث لها تارة ويفتح الجريدة ليقرأ فيها تارة أخرى. أما هي فنظراتها سارحة في الأفق، لا تلتفت ولا تتحدث. ولكن العجيب في الأمر أنه مستمتع برفقتها، بل ومستمتع بالاعتناء بها أيضا. ورغم مرور السنوات لكني دائما ما يلفت نظري كبار السن من الأزواج في كل مكان. رفقتهما، سياحتهما، حديثهما، وأتساءل في نفسي ترى ماذا بقي لهما للتحاور عنه أو التحدث فيه بعد كل هذه السنوات؟ ولماذا قد يرغب شخص بالسفر أو السياحة مع شخص كان معه لسنوات وربما أصابه منه بعض الملل؟. أعود فيظهر لي فيديو لامرأة عجوز في غيبوبة تامة، لكنها لا تبتسم إلا حين يمسك زوجها بيدها. ثم لقاء لزوجين عاشا مع بعضهما قرابة 50 عاما، وهما ينظران لبعضهما في مرح والمذيع يسألهما عن سر السعادة في الزواج. ثم منظر رجل عجوز يستقبل زوجته في محطة القطار ليستقبلها بعناق حار وسيل من الكلمات الجميلة لم نعتد عليها إلا في علاقات المخطوبين والمتزوجين حديثا. ليأتيني الجواب بأنه ما كل شيء يشرح بالمنطق ويعبر عنه بالكلمات .

مسكين الحب في بيوتنا العربية والشرقية، فكل شيء مقدم عليه، وهو أول ما نستغني عنه وأول ما نفرط فيه وأول ما ننساه حين تشتد بنا عثرات الحياة أو لمجرد أن يطغى عليها الروتين والمسؤوليات. في حين أننا لو علمنا ما هو حقيقة الحب وما يفعله وما يخلقه لجعلناه أولى أولوياتنا ومركز تركيزنا .

لا أتحدث هنا عن الحب في صيغته الشعرية أو الفلسفية أو حب الملاحم والقصص الخيالية والرومانسية، بل أتكلم عن الحب الذي نعيشه يوما بيوم. أتحدث عن الحب الذي يتمثل في تلك الدفعة الهائلة من التحفيز التي يشعر بها الطفل حين يعطيه والده من وقته ويخبره كم هو فخور به. عن تلك المنحة الداخلية التي تقوي الفتاة طول حياتها حين تخبرها والدتها كم هي جميلة. عن تلك المشاعر الرائعة والشحنات العالية من الطاقة التي يستمدها الزوجان من بعضهما حين يظهران اللطف لبعضهما بمكالمة مفاجئة للسؤال عن الأحوال أو الاطمئنان بسلامة الوصول، لنكتة مرحة ترسل على الجوال، لهدية بدون سبب تترك مع بطاقة جميلة على الوسادة، لتماسك الأعصاب حين زعل الأول، والاستماع بصبر حين فضفضة الثاني. للمراعاة، والتعلم الشخصي لتطوير العلاقات. والأهم الوقوف مع بعضهما في الأزمات، فهو المحك الحقيقي لما قدماه لبعضهما في البدايات. نعم تلك النهايات الجميلة والمشاعر الحقيقية التي يعيشها من تحدثنا عنهم سابقا لم تأت من فراغ، بل أتت من تراكم الطيب على بعضه ليكون رصيدا ذاخرا، يترجم أنسا وألفة وسكنا تعيشه الآن ويستمر حبا يرافقك حتى النهايات. فاعملوا عليه الآن.

@HebaKadi