شاكر أبوطالب

لماذا أرسل ابني إلى المدرسة؟!

الأحد - 26 أغسطس 2018

Sun - 26 Aug 2018

‏يبقى هاجس تعليم الأبناء في مقدمة أولويات كل أسرة، إن لم يكن أولها، هذا الهاجس الموسمي سيتجدد بدءا من الأسبوع المقبل؛ مع انطلاقة العام الدراسي الجديد، وفي كل عام يحاصرني سؤال ما قبل العودة إلى المدرسة، وهو «لماذا أرسل ابني إلى المدرسة؟»، وتتكاثر منه أسئلة أخرى: ماذا ستضيف المدرسة إلى عقل ابني وتفكيره؟ ما الذي ستعززه في شخصيته وميوله؟ كيف يمكن للمدرسة أن تنافس اهتماماته وهواياته؟ وكيف ستتمكن المدرسة من غرس محبة التعلم في ذاته؟ وغيرها من الأسئلة التي ترسم إجاباتها بعض ملامح مستقبل ابني، بل مستقبل وطني!

على الصعيد الشخصي، أنتظر من المدرسة أن تصنع من ابني شخصا واثقا من نفسه، يستطيع تمييز الخطأ من الصواب، ويؤمن بأن الخطأ ليس عيبا، وبأن الفشل ليس عائقا، وأن التعلم من الأخطاء يقود إلى النجاح. وأن يكون ابني إنسانا مرنا وقادرا على التكيف، وصاحب تفكير مستقل ومنطقي ونقدي، ويتواصل مع الآخرين بصورة فاعلة.

أريد من المدرسة أن تعزز لدى ابني ثقافة طرح الأسئلة، قبل الإجابة، والمثابرة على عملية التعلم بضابط ذاتي، وأن يكون قادرا على الإنجاز بنفسه، والعمل بفاعلية ضمن الفريق الواحد، وتمكينه من الأخذ بزمام المبادرة، والتحلي بروح الإبداع والابتكار.

وأتوقع من المدرسة أن يتخرج فيها ابني مواطنا يهتم بمصلحة وطنه ومجتمعه، ومتجذرا بأرضه وأهله، يملك وعيا قويا بحقوقه ومسؤولياته، قادرا على أن يبقى دائما على اطلاع بما يجري من حوله، وتقديم إضافة ذات قيمة للحياة البشرية.

ولإنتاج المواطن المتعلم والماهر الذي يمثل الثروة الأساس للوطن، والعامل الأول في تقدم المجتمع؛ ينبغي مواصلة الاستثمار في جودة التعليم وتطويره في جميع مراحله، من الروضة حتى الجامعة، فمهما بلغت قوة نظام التعليم، فإنه يحتاج إلى مواصلة التطوير والتجديد ليستمر ناجحا، وقادرا على مواجهة التحديات المعقدة والتنافسية الشديدة التي يتسم بها العصر الحديث.

وليس سرا بأن أي نظام للتعليم يستمد قوته من توفير مستوى تعليم مميز وبفرص متساوية لجميع الطلاب، بغض النظر عن الفروقات الاقتصادية والاجتماعية، مع الاهتمام بالفروق الفردية بين الطلاب وتنميتها؛ للمساهمة في بناء الشخصية وتعزيز استقلاليتها، واكتساب الطالب للعلوم والمعرفة والمهارات الأساسية، وتوفير الدعم النفسي للطالب والشعور بالأمان، في بيئة تعليمية تتسم بالألفة والهدوء، وتعتمد على أساليب التحفيز والتشجيع والإبداع والابتكار.

ويجب أن يكون هدف الإصلاح الخاص بالتعليم في صياغة فلسفة جديدة مبنية على أساس أن الطالب هو مركز التعليم وغايته، مع ضرورة أن تشبع البيئة المدرسية احتياجات الطالب للنمو والتطور، وتنمية التفكير والإبداع والنقد لديه، وتحفيزه لتعلم الفلسفة والمنطق والفنون، وتشجيعه للمشاركة في الأنشطة الجماعية، وممارسة مختلف أنواع الرياضة والهوايات.

فلم يعد مقبولا أن يتم حشو عقل ابني بمعلومات قريبة للتي كنت قد تعلمتها قبل أكثر من عشرين سنة! وبعقلية المعلم ذاتها التي لم تختلف كثيرا عن التي تعاملت معها في مراحل التعليم، ولست مجحفا عند القول بأن الاختلاف الذي ألمسه اليوم لا يتجاوز شكل المنهج الدراسي وتبويبه وصوره وألوانه، وإن اختلف محتوى المنهج لم يختلف أسلوب التدريس! ولذلك؛ أصبح تطوير التعليم أمرا حتميا، لتركيز الاهتمام أولا وأخيرا على عقل الطالب، وترتيبه بالمنطق والنقد لإنتاج الأسئلة، وابتكار الأفكار، وكذلك العناية الفائقة بالجوانب النفسية للطالب وتنميتها بتعليمه مختلف الفنون، وتوجيهه إلى الفن أو الفنون التي يميل إليها ويتقنها.

ولعقود طويلة مضت؛ عاش مجتمعنا في الجهل بمعناه الأصيل، واستطاع محو جهله بتعلم القراءة والكتابة، ولكنه لم ينجح في تجاوز العقل النقلي الذي يبرز الأفكار القديمة، الأمر الذي تسبب في جمود الإنتاج لدينا، وتأخرنا كثيرا في السباق الحضاري الذي يعلي من شأن التعليم بالمنطق والنقد والإبداع، لإنتاج الأفكار المبتكرة، وتطوير الأفكار القائمة. واليوم حان الوقت أكثر من أي وقت مضى، لإخضاع تعليمنا إلى العقل النقدي والتفكير المبتكر والإنتاج الإبداعي، على الأقل للحصول على نتيجة مختلفة عن تلك التي سبق أن حصلنا عليها!