عبدالله العولقي

الكتاب بين صورتيه التقليدية والرقمية

الخميس - 23 أغسطس 2018

Thu - 23 Aug 2018

هل صحيح أن العالم اليوم لم يعد في تلك الحاجة الماسة والمعهودة لتلك المباني الضخمة والأرفف الوسيعة التي تحمل الكتب والوثائق والمجلات والدوريات العلمية بعد أن تمكنت التكنولوجيا المتسارعة من اختزال كل ذلك في ذاكرة الكترونية متناهية الصغر والحجم؟!

هل صحيح أن النكهة الثقافية التي يستسيغها المثقف والكاتب والقارئ عند المرور بين أزقة أرفف المكتبات والبحث عن الكتاب أو الرواية ستنقرض مع التزامن التقني الذي يفاجئ الإنسانية بالدهشة الإبداعية والقضاء على كل أنماط الماضي بتقديم البديل التقني والعصري، أم إن هذه النكهة الساحرة بعبق تاريخ ثنائية الإنسان والكتاب ستفرض حضورها رغم كل تحديات التقنية والرقمية؟! هذا ما سيحدده المستقبل القريب في ظل التحدي المعاصر بين التقليدية والتقنية الرقمية في كافة ظروف معيشتنا.

لقد كان المثقفون العرب ومشايخ الدين والعلم يتفاخرون بالنسخ الأثرية والقديمة التي يحتفظون بأصولها في مكتباتهم المنزلية وعندما يشعرون بدنو أجلهم يكتبون وصيتهم الشرعية بالتنازل عن ذلك الإرث الخالد كوقف حضاري للمكتبات العامة، كل هذه المظاهر الثقافية لم يعد يدركها الجيل الجديد بعد أن أضحى محرك البحث (قوقل) يقدمها لمتصفحيه بالنمط المجاني، بل إنه يستطيع تخيير القارئ بين أصول ووثائق تاريخية موجودة في جغرافيا متباعدة من العالم وفي ظرف زمني يسير، وهذا كله يساهم في خلق الفجوة الفراغية بين إمكانية الصمود التقليدي أم الاكتساح التقني الرقمي.

أما دور النشر فحكايتها مع المعاصرة أن كثيرا من ذوات الرتابة التقليدية قد أقفلت مطابعها ومكاتبها مع كساد أسواق النشر العالمية وبقي التحدي مع أولئك الذين دخلوا عوالم التقنية الرقمية واستعملوا أساليب التسويق الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعية وأيقونات التطبيقات الرقمية، حيث إن إنسان اليوم أصبح في قناعة تامة أن كل مستلزمات عمله وثقافته ويومياته لا بد أن يختزل كتطبيق رقمي في هاتفه وإلا أصبح خارج اهتماماته!

من فوائد التقنية الرقمية اليوم أنها أتاحت صورا للمنابر الإعلامية المتنوعة عبر تطبيقاتها المتناثرة في عالم الويب، فأصبح من حق القارئ أن يبحث عن تقييم الكتاب أو الرواية قبل شرائها، كما أنها تمنح ذات الحق للناشر في التعرف على أذواق المجتمع واهتماماته في عالم الكتب حتى يتمكن من إدارة وضبط توجهاته المطبعية، وذات الأمر يقال عن المؤلف الذي بات يدرك من خلالها آراء وتقييم قرائه ونصائحهم لكتاباته ونتاجه الثقافي، وهذه من الأمور المفصلية والنوعية التي فرضتها التقنية الرقمية وتجاوزت بها كل أنماط التقليدية المعهودة.

لقد فرضت التقنية الرقمية وجودها بقوة في عالم الكتب والمنشورات وأضحت أداة رسمية ذات نكهة عصرية في تكوين المعرفة البشرية بعد أن شكلت ما يسمى اليوم بالمكتبات الافتراضية التي تعج بها معظم المواقع الالكترونية للجامعات الكبرى والصغرى في دول العالم كله، فهي تحمل سمة حيوية التفاعل مع القارئ أو الطالب عبر التزامن المباشر (أون لاين) وقد تتضمن معها وسائط أخرى كمقاطع الفيديو أو الصوت، وهنا يحدث الفرق الجوهري لصالح التقنية الرقمية، حيث تتقاطع معها ثلاث حواس مع مضمونها المعرفي على عكس الكتاب التقليدي الذي يكتفي التفاعل معه بحاسة النظر!

لقد تشكل الاتحاد الدولي للمكتبات الرقمية DLF في مقابل الاتحاد الدولي للكتب التقليدية IFLA كدلالة على الاهتمام العالمي والإنساني بنمطية الكتاب الالكتروني، ولأنه أضحى واقعا مكتسحا للصورة النمطية التي بقيت مرتبطة في الذهنية البشرية لعقود طويلة، وبهذا سيتغير عدد من المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بمضمون القراءة والثقافة عبر الأجيال الناشئة والقادمة.

الجميل في الأمر أن مكتباتنا الوطنية قد أدركت مبكرا أهمية الولوج في عالم الرقمية، ولعل مكتبة الملك فهد الوطنية وهي علامة ثقافية متميزة على مستوى الشرق الأوسط، تبرز في هذا المجال الحيوي المعاصر، كما أن الجامعات الوطنية كلها اليوم قد اعتمدت المكتبات الالكترونية كأداة مرجعية للأبحاث ومصادر العلوم، بالإضافة إلى أن الرؤية الوطنية اليوم ستسهم في إعطاء هذا المجال الحيوي أبعادا فسيحة للمنافسة والتزامن مع آخر المستجدات العالمية.

[email protected]