حسن علي القحطاني

الحج.. رحلة القرب من الله ابتدأت

السبت - 18 أغسطس 2018

Sat - 18 Aug 2018

اليوم الأحد هو يوم التروية، يوم ينتظره حجاج بيت الله الحرام بفارغ الصبر والشوق للبدء في مناسك الحج، رغبة في غفران الذنوب، وإتمام ركن الإسلام الخامس، رحلة القرب من الله قد ابتدأت، بدأها الله بأمره لنبيه إبراهيم عليه السلام بالأذان للحج فقال تعالى «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» الحج 27.

هذا الركن العظيم من أركان الإسلام شعيرة عظيمة يحلو فيها التعب، وتتلاشى فيها المشقة، تبدأ بالإخلاص لله في أدائها، وتنتهي بالإتيان بأركانها وواجباتها وسننها على الوجه الذي شرعه الله لها، جعل الله فيها منافع قدم شهودها على ذكره فقال سبحانه «وليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلوما» الحج 28.

اليوم يتوافد حجاج بيت الله الحرام إلى منى، جموع غفيرة أقبلت على طاعة ربها بالذكر والفكر، والقول والعمل، وتجردت من متاع الحياة قليله قبل كثيره، نفوسهم مؤمنة وفي فضل ربها راغبة وذاتهم تائبة وهممهم عن الشهوات معرضة، مترفعين عن الأحقاد والخصومة، مبادرين للإخاء والتسامح امتثالا لقوله عز وجل «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوني يا أولى الألباب» البقرة 197، والرفث اسم جامع لكل لغو وفاحش من الكلام، والفسوق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل، والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة، مما يورث الضغائن ويفرق الهمة ويناقض حسن الخلق.

ضيوف الرحمن يذهبون ويجيئون، يؤدون المناسك وذكر الله هو الشغل الشاغل لهم، وتصفية قلوبهم هو الأمر المسيطر عليهم، وتطهير نفوسهم هو المقصد الأسمى من رحلتهم، يسعون لتحقيق الحج المبرور الذي يجعل المرء كأنه قد ولد من جديد.

حجاج بيت الله الحرام بذلوا من أجل هذه الشعيرة المقدسة النفس والنفيس، حملوا معهم اليسير ليعينهم عليه، قدموا من كل أرجاء العالم، رافعين أصواتهم فرادى أو جماعات بـ «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، كإعلان خالص يجدد التوحيد لرب لا إله إلا هو، وتأكيد نفي وجود شريك له في حكمه وملكه.

في الحج ممارسة حقيقية للاستسلام الكامل والعبودية المطلقة في فعل ما أمر الله به والبعد عما نهى عنه، وحث على وحدة الأمة الإسلامية في هذا المؤتمر السنوي العالمي الذي يجمع المسلمين من كل جنس ولون، فيه تربية أخلاقية تعلمنا التواضع والصبر على الطاعة وترك الجدال ورد المظالم وتجسيد معنى التضحية بالغالي في سبيل رضا رب كريم، نتعلم من الحج أهمية الوقت، فكل عبادة لها وقت محدد، ينبغي أن يحرص الحاج على أدائها في أوقاتها ويلتزم الدقة والانضباط في المواعيد.

إن الحج فريضة تنمي في الإنسان مقومات الشخصية السوية إذا أداها بصدق وإخلاص وتعزز الإيجابية المنشودة في سلوكه الاجتماعي، فهي تأخذه إلى لباب التوبة، والتطهر من المآثم ورد المظالم، وتعلمه رحلة الحج التعب في سبيل المبدأ، وكيف ينسجم مع إخوانه في أضخم اجتماع عالمي، وتعوده على بسط يده بالبر والإحسان، وتشجعه على البذل والتضحية.

مشهد عظيم لحجاج بيت الله هذا اليوم يرسخ عدالة المساواة بين الناس، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، فما أجملها من رحلة، وما أكرمها من ضيافة، وما أعظمها من نعمة، وما أجله من فوز.

ختاما، حفظ الله حجاج بيت الله الحرام، ودعاؤنا الصادق لهم بالنجاح والتوفيق ولكل القائمين على أمنهم وسلامتهم وكافة شؤونهم.

hq22222@