أحمد الهلالي

نزاهة الإعلامي ومعضلة العلاقات العامة!

الثلاثاء - 14 أغسطس 2018

Tue - 14 Aug 2018

الإعلام بأنواعه من أهم أدوات العصر الحديث، آلة بالغة التأثير في حياتنا، تضعنا في قلب الحدث فور وقوعه، ولا تكتفي بذلك، بل تظل تحلل الحدث، وتتهجاه من جميع جوانبه، تبرز أدق التفاصيل، وتجلي كل الدقائق، فلم يعد الخبر ذا بال، بل (قصة الخبر) هي المائدة الدسمة التي تتحلق حولها ألباب الإعلاميين، ليقدموها باحترافية إلى المتابع.

لا يمكن أن يكون الإعلام سلطة إلا إذا كان نقيا من شوائب النفس، فالإعلامي الذي يحصر طموحاته ونجاحاته في تخصصه الإعلامي سرعان ما يبرز، ويكون رقما صعبا في المشهد الإعلامي، فهو عين الوطن والمواطن والمسؤول على مكامن الخلل في البيئات التي يسلط ضياءه الأمين عليها، وبهذا يكون مكافحا للأخطاء والسلوكات الفاسدة، أما إذا جاست الأطماع الشخصية خارج حقله الإعلامي خلال روحه؛ تحول الإعلامي إلى الضد، وصار هامشيا، تستعبده مصالحه الخاصة، ويضحي أداة بيد الفاسدين، يعزفون على وتر أطماعه الوعود الكاذبة، ويحققون له جزءا من متطلباته الصغيرة، لكي يظل في ربقة التبعية، يوجهه الفاسدون أنى شاؤوا.

وكذلك الإعلامي الذي يرى مهنته بابا للعلاقات، ويجتذبه بريق الجلوس مع فلان أو مصاحبة علان، بسهولة يقبل أن يرى نفسه (طبلا)، وينخرط بلا شعور موظفا للعلاقات العامة بلا أجر في جهة ما، أو في جهات ما؛ لأنه ببساطة يلهث وراء رغائبه الشخصية، وتلك الرغائب لن تتحقق إلا بغض الطرف، والتستر عن الأخطاء والسلوكات الفاسدة، ثم تتطور الحالة إلى التلميع والدفاع ونفي الحقائق، بحقائق براقة يريدها أسياد مصالحه، وهذا النوع الفاسد من الإعلاميين تجده رهين مصالحه، إن حصل على مراده مدح وبالغ في الثناء والتلميع، وإن لم يحصل انقلب أعمى عن كل ضياء إلا أخطاء من حالوا دونه ودون مصالحه.

والحقيقة لا أحد يعلم معاناة العمل الإعلامي، وشدة مضائقه وخطورتها كما يعلم الإعلاميون الأنقياء الأحرار من (التنفع) بعملهم الإعلامي، فهؤلاء بين مطارق (الترغيب/ والترهيب) ليبيعوا / أو يتخلوا عن ضمائرهم ووطنيتهم، ومواصفات أولئك أنهم يعملون بمهنية، والمهنية الحقيقية هي أن يتجرد الإعلامي من مشاعر (الحب والكره) فيظهر الحسن بصورته الصحيحة دون مزايدة، ويظهر السيئ بصورته الصحيحة دون تشويه، فهدفه الأسمى (الحقيقة)، لأنه يراها هدف الإعلام الأسمى.

ولو التفتنا إلى رؤساء تحرير الصحف خاصة، سنجدهم يعلمون جيدا من هو الإعلامي النقي، وكذلك يعرفون إعلاميي العلاقات العامة بأسمائهم، فلا أظن مكاتبهم تخلو من شكاوى الجهات المختلفة، وهم بحكم اطلاعهم على المشهد يعرفون ـ أيضا ـ الجهات التي لديها ما تخفيه وتخشى من الإعلاميين الأنقياء، وفي رأيي لو اتجهت (نزاهة) إلى رؤساء تحرير الصحف الأنقياء، لاختصرت الطريق في تنقيبها، ولخرجت بنتائج معتبرة في مكافحة الفساد الإداري والمالي وغيرهما.

نحن في أمس الحاجة إلى مساندة الإعلاميين (النزهاء) وتكثيرهم، ليكون لإعلامنا وجهه البراق، ولتكون له (سلطته الرابعة)، فليس ذنب الإعلامي أنه يكشف عن مواطن الخلل والفساد، بل الذنب على ممارسيه والمتسترين عليه، وحالة التصالح التي نحسها اليوم بين بعض الإعلاميين وبعض الجهات لا أعدها حالة صحية، فمن غير المعقول أن تنعدم الأخطاء والأهواء والتجاوزات في قارتنا السعودية العملاقة، ولأن وطننا اليوم منخرط بكل تفاصيله في رؤية 2030 الطموحة، ونخوض حربا ضروسا ضد الفساد والمفسدين على مستويات عالية، فلا بد أن يؤدي الإعلام رسالته، وأن تتحرك وزارة الإعلام لرفع احترافية الإعلاميين، وحمايتهم من عبث الفاسدين وأضرابهم، فإن لم يواز الإعلام طموحات هذه المرحلة، فلا يستحق أن نعتبره إعلاما.