صالح الحمادي

فقيد عسير

الثلاثاء - 14 أغسطس 2018

Tue - 14 Aug 2018

لم أكن أتوقع أن زيارتي لعراب الثقافة والأدب الوالد محمد بن حميد قبل سفري ستكون آخر لقاء به، بحضرة عدد من أبنائه الأوفياء تحدثت معه كعادتي ومازحته وعرجت به على الحماط واللبن والصميل والمشعاب والشقوف والحيود "العراقيب" فضحك كثيرا، ثم تجاذبنا أطراف الحديث وودعته.

من ضفاف نهر التايمز وسط لندن أستجر الذكريات الجميلة عن فقيد عسير الوالد الغالي محمد بن حميد الذي سطر عبر مشواره الحافل أجمل المواقف وأنبلها وأروعها، تنقل وظيفيا بين إمارة منطقة عسير والتعليم والشؤون الصحية، وقاد نادي أبها الأدبي 30 عاما ليضعه في صدارة الأندية الأدبية وفتح مساحات الضوء لكل أطياف المجتمع والمواهب والمبدعين، وقدم منجزه الأدبي في عدة مؤلفات، وصعد المنابر متحدثا أمام الملوك والأمراء نيابة عن أهالي عسير، وختم مشواره الجميل بمنصب مستشار خاص للأمير خالد الفيصل.

يقول المتنبي:

ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور

على ضفاف التايمز مسني ألم الفاجعة على الوالد الغالي محمد بن حميد المتسربل عزة وشموخا، عرجت بي الذكريات على مجلسه العامر ومسامراته النقية ومزرعته العامرة بذكر الله والموروث والتاريخ مع لفيف الأصدقاء كل يوم جمعة، تذكرت أنفته وصموده، تذكرت قوته وعلو همته، تذكرت أصدقاءه وأحبابه.

صديقك اليوم لا عز ولا فرح

ولا رفيق من الأحزان يؤويه!

قعيد هم عن العلياء، همته

في ذرف دمع عن الأبصار يخفيه

تركته فجأة من دون تسلية

ولا عهود على الآمال تحييه!

قد كنت ملجأه في كل نائبة

وكنت نورا على الظلماء يهديه

فاليوم صار وحيدا، قلبه كسر

من الهموم، ودمع العين يرويه

أبا عبدالله أيها الأب الحاني تركتنا لا نقوى السير على الأرض ولا نبصر السماء، تركتنا بين شك يبزغ من بين صدمته اليقين فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أبا عبدالله ما علمنا عنك من سوء والناس شهود الله في أرضه، فقد كنت غيمة طاهرة، وأنبل من هتان مطر عسير، وأنقى من شمس المطر، لقد تركتنا ننظر للدنيا بلونين لأن قوس غيمك ومطرك غادر معك، وكنا ننظر للدنيا من خلالك بكل الألوان ونتحدث بكل لغات العالم.

أبا عبدالله لك في كل زاوية من عسير أثر، فقد كنت وقودا للخير والعطاء وكنت ترتحل مفتشا في الصحة، وموجها في التعليم، فكان لك في كل ناحية مثل، وفي كل دروب العطاء ألق، لم تحفظ صورك في الملفات، بل حفظها الأوفياء في كل موقع زرته للإصلاح أو التطوير والتقويم، أو تحفيز وزرع بذور مواهب المنطقة الأدبية.

أبا عبدالله طالب الكاتب الأديب أحمد عسيري في آخر مقالاته عنك بتكريمك قبل أن ينطفئ السراج؟ انطفأ سراج العلم والأدب والمعرفة برحيل "فقيد عسير" وسنقف في الطابور إجلالا وتكريما ووفاء لك. وبدوري أتساءل من يتمم كتاب عطائك الذي بدأته؟ ومن يعيد حضورك اللافت؟ ومن يكمل المسيرة من أبنائك البررة؟

أبا عبدالله الفقد عظيم والمصاب جلل برحيلك المر، ورحلت عنا وأبدلتنا بصحبتك وأنسك حزنا سرمديا فإلى جنان الخلد إن شاء الله.