عبدالحليم البراك

ظلم الأطباء بـ 11 ثانية!

الاثنين - 06 أغسطس 2018

Mon - 06 Aug 2018

نشرت إحدى الصحف السعودية إحصائية تفيد بأن معدل استماع الأطباء للمرضى هو 11 ثانية قبل المقاطعة، وهذا الرقم فيه صحة وظلم، وفي أفضل الحالات فيه تفصيل، بالنسبة لي أرى الرقم صحيحا من جهة، إن كان الطبيب يود أن يسمعك ما يود أن يقوله دون نقاش، لكنه غير صحيح من جهة أخرى، إذ إن بعض الأطباء في الجهة الأخرى يجعلك تتكلم 11 دقيقة دون مقاطعة ثم يصرف العلاج دون كلمة واحدة، فليس أحد واجباته أن يشرح لك ما تعاني منه، أو لأن كلامك أصلا لا يعنيه، وأنه - بكسله العظيم - لن يجيبك أو يشرح لك، فقد مل من الشرح، وفي العموم هذه ملاحظاتنا نحن المرضى (الغلابة) على أصحاب السعادة الأطباء:

- الطبيب الذي ينصت لك ثم يتكلم ويشرح لك بحسب رغبتك، الطبيب الذي يتكلم عندما تريده أن يشرح لك المزيد عن حالتك؛ نادر جدا، كلام الأطباء من ذهب، فالغالب الحديث من طرف واحد، والإنصات من الطرف الآخر، والفرق بينهما أن الإنصات قهري من المريض اختياري من الطبيب، والحديث اختياري من الاثنين، وبعض الأطباء يود لو يعالج المريض دون أن يتكلما مع بعضهما البعض، بل يود بعض الأطباء لو يتخلص من أول كلمة يقولها للمريض وهي: ما الذي تعاني منه؟!

- الحركة المتداولة عند الأطباء، وهي أن يهب واقفا بعد أن يقول ما عنده دون الاستماع إليك ليذهب إلى غرفة أخرى (والله لا ندري أين يذهب وما هي الغرفة الأخرى) وفي العموم لا توجد غرفة أخرى، بل هي وسيلة لحسم الحوار بدلا من أن يقول لك: الحوار معك انتهى يا مريض!

- بعض الأطباء يتعامل مع المرضى «كالبقر» قالها لي الطبيب المثقف، الكاتب في إحدى الصحف المحلية، عندما بادلته الحديث بودية وبادلني نفس الشعور واطمأن لي، رغم أنني أحد مرضاه، وقال بالحرف الواحد «يجتمع المرضى للعمليات في يوم واحد وفي ظرف ثلاث ساعات أنتهي منهم، وأسمي تجمعهم هذا حوش البقر»، فحي الله الاحترام للمريض، وحي الله وعي الطبيب هرم العمل الوظيفي في المجتمع!

- في السابق كان الأطباء يعرفون والناس لا تعرف، وكان الأطباء يقرؤون والناس لا تقرأ، وكان الناس لا يعرفون اللغة الإنجليزية أصلا، بل إن الطبيب يستخدمها كلغة هيروغلوفية أمام المريض، الآن وبينما الطبيب يقول كلمتين عن حالة المريض الصحية، يعبث المريض بهاتفه المتحرك و»يقوقل» كلام الطبيب، ويخرج بآخر دراسة علمية حول مصداقية كلامه، بالعربي أو بالإنجليزي، والموقع الموثق وغير الموثق! وبينما الطبيب يشرح لمساعده أو الممرض شيئا بالإنجليزي يفهم المريض ما يقال، فذهبت ميزة الاستعراض بالإنجليزي (أو الإخفاء) والفضل لله وحده ثم لبرنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي والداخلي أيضا!

- كان الأطباء المحترفون يصرفون الأدوية دون أن يشرحوا للمريض عواقب بعض الأدوية، مثل الأدوية التي تحتوي على كورتيزون على سبيل المثال، الآن المريض يسأل الطبيب قبل أن يكتب له الوصفة، بل يأخذ الوصفة، ويتسلم العلاج من الصيدلي، ويقرأ وصفها الداخلي، ويعيدها للصيدلي ولا يرجع للطبيب مرة أخرى!

أخيرا ربما على الهيئة السعودية للتخصصات الطبية أن تقرر على الأطباء من ساعات التعليم الطبي، أسلوب التعامل مع المريض، للتقليل من كبر الطبيب على المريض، وفن استماع الطبيب للمريض، وأن يلقي هذه المحاضرات على الأطباء المرضى أنفسهم، ثم يقرر المريض (المحاضر) هل يعطي الطبيب الإجازة أم لا، حتى تحتسب أو لا تحتسب في استمرارية منح الطبيب شهادة المزاولة الممنوحة من الهيئة!

بقي أن أستغرب: ما قصة الرقم 11 في الموضوع، فباولو كويلهو الروائي البرازيلي يكتب رواية بعنوان 11 دقيقة والإحصائية تشير لمعدل استماع مقداره 11 ثانية!

Halemalbaarrak@