محمد حطحوط

فنلندا التي لا تعرفها عام 1970!

السبت - 04 أغسطس 2018

Sat - 04 Aug 2018

في عام 1970 استفاقت دولة فنلندا على كارثة صحية شكلت تهديدا خطيرا للدولة ككل: تصدرت فنلندا العالم في أمراض القلب والحياة غير الصحية من الوجبات السريعة وقائمة لا تنتهي مما أطلق عليه لاحقا الأكل القمامي Garbage Food. وقتها كانت هناك مقولة دارجة بين الرجال في فنلندا - التي تتصدر العالم اليوم كأكثر الشعوب صحة - وهي أن الخضراوات للأرانب! وهي لغة ساخرة ومؤثرة ليس فقط في الاستمرار في الأكل القمامي، بل ومحاربة الأكل الصحي ونعت صاحبه بـ «الأرنب»!

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية خبرا يقول: من سمين إلى نحيل.. كيف تحولت فنلندا في 30 سنة من دولة تعد نسبة السمنة فيها الأكبر بالعالم، لتصبح اليوم من أكثر الدول صحية ونشاطا! في خبر الجارديان ذكرت الحكومة كيف استخدمت تقنيات «التسويق الاجتماعي» للتأثير على شعب بأكمله، وتغيير قناعاته، ولكن دائما وأبدا تكون البداية من المحور التالي: فهم العميل، المواطن، وفهم تفاصيل حياته، ولهذا اتجهت الحكومة لمنازل شعبها وبدأت تقترب منهم، وتستمع فقط.

وجدت أن الدخان منتشر بين الناس بشكل مخيف، ولدى الشعب أعذار قوية في عدم ممارسة الرياضة، أبرزها الجو البارد جدا والثلجي في فترات طويلة من السنة - لاحظ نفس العذر يتكرر في منطقتنا ولكن تحت ذريعة الحر - وعدم وجود أماكن عامة لممارسة الرياضة والمشي، وقائمة طويلة من الأعذار، كانت مفتاحا مهما لفهم أعماق المشكلة قبل البدء في أي حلول من قبل الحكومة.

خط الدفاع الأول كان في سن قوانين جديدة تحفز الحياة الصحية، ولهذا تم منع التسويق لمنتجات التبغ تماما. بعد ذلك تم دعم بلديات جميع المدن بمبالغ ضخمة لبناء حدائق في جميع المدن والأحياء لنشر ثقافة المشي والحركة لدى جميع فئات المجتمع. حدائق للصيف جميلة مميزة، وحدائق لفترات الشتاء والثلوج لممارسة رياضة التزلج وغيرها. بدأت حملات تسويقية تدعو الناس لممارسة الرياضة، وتحفز الناس على الذهاب بالدراجة الهوائية للعمل، وبدأت كل وزارة وهيئة تمارس مبادرات اجتماعية لدعم توجه الدولة الجديد. وفي التعليم انعكس ذلك في المناهج والجامعات، وفي الصحة بدأ الأطباء يضعون مع الوصفات الطبية نصائح لممارسة الرياضة بشكل يومي، القطاع الخاص والقطاع الثالث انطلقا بمبادرات خاصة لتشجيع الناس على تبني عادات جديدة أكثر صحية، ومع الوقت بدأ - كمثال - أكل الخضراوات علامة المثقف والواعي، بينما الأكل القمامي دليل قلة ثقافة ووعي.

خطوة خطوة بدأ الوعي الجمعي في الارتفاع بأهمية القرارات التي تتخذ للأسرة والفرد وتأثيرها بعيد المدى على سفينة المجتمع.

يعتبر التسويق الاجتماعي دون شك من أكثر أنواع التسويق صعوبة، لبطء اتخاذ القرار، ولضعف التنسيق بين الجهات ذات العلاقة، ويزيده تعقيدا أن التغيير صعب جدا عندما يصل لكسر عادات لمجتمع تكونت على مدى عقود من الزمان! التسويق الاجتماعي يحتاج إنسانا نفسه طويل، لأن فنلندا مكثت 30 سنة حتى حصدت نتائج تفاخر بها العالم! أول الأخبار الجميلة هو هبوط حاد في نسبة الوفيات بسبب أمراض القلب بنسبة فاقت 65%، وكذلك مرضى سرطان الرئة بنسبة قريبة لتلك.

في قصة فنلندا كثير من العبر للمهتمين بالتسويق الحكومي، أهمها: عندما تريد البدء في حملات تهدف فيها لتغيير عادات الناس وقناعاتها، يجب أن تقرأ كثيرا في باب «سلوك المستهلك» واقرأ لكل من قد سلك هذا الشِّعْب قبلك، فلربما ملاحظة منه تختصر عليك سنوات من المحاولة والخطأ!

@mhathut