أحمد صالح حلبي

المطوفون في ذاكرة الرحالة

الخميس - 02 أغسطس 2018

Thu - 02 Aug 2018

في كل عام ومع بدء موسم الحج تتزين شوارع مكة المكرمة وطرقاتها بلوحات تحمل عبارات ترحيب بضيوف الرحمن، وبين تلك اللوحات الموزعة تظهر لوحات تحمل أسماء مؤسسات الطوافة وأرقام مكاتبها، لتذكرنا بأولئك السابقين من المطوفين الذين كانوا يمارسون أعمالهم فرادا قبل ظهور نظام المؤسسات الذي حول العمل إلى عمل جماعي، فاستطاع أولئك الآباء والأجداد رغم ضعف إمكاناتهم بناء علاقات جيدة بالحجاج، فهم من يحملون نقاء القلب وعفة اللسان، لا يبحثون عن مكتب أنيق أو مأكل نظيف، يعملون على مدار الساعة دون كلل أو ملل، إنهم بحق مطوفون أوفياء تركوا أعمالهم تتحدث عنهم، مؤكدين أن المطوف هو «مرشد الحجاج إلى مناسك حجهم، وهو من يعمل على توفير الخدمات لهم منذ وصولهم إلى مكة المكرمة حتى مغادرتهم لها»، وأن الطوافة في نظرهم ليست تجارة، بل هي مهنة متوارثة يفخرون بها، ويقومون بأدائها منذ قرون مضت.

ومثل هذه الأعمال والمواقف جعلت أمير البيان شكيب أرسلان في رحلته لأداء فريضة الحج يرسم صورا جميلة عن المطوفين وخدماتهم في كتابه الموسوم بــ «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1350، والذي أهداه إلى الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله.

وقد قال عنهم «إن في الحجاز الشريف طائفتين لا بد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما، ولا يكاد يستغني أحد عنهما، وهما المطوفون بمكة، والمزورون بالمدينة».

وأكد أن هناك من يسيء للمطوفين، وهؤلاء قال عنهم «وإني لأعلم أن كثيرا من الناس يطعنون في المطوفين والمزورين، بل يبالغون في ذمهم أو في ذم العدد الكثير منهم، ويقولون إنهم ينهبون الحاج ويجورون عليهم ويتقاضونهم من الأجرة أضعاف حقوقهم، وقد يخدعونهم ويغشونهم ويرتكبون في أمورهم كل محرم، ولقد كنت أسمع هذه القصص قبل أن حججت وقبل أن عرفت مكة والمطوفين، وقبل أن زرت المدينة وعرفت المزورين، والمثل السائر عندنا يقول: الله يساعد من يتكلم فيه الناس بالمليح فكيف بالقبيح؟».

ويوضح أرسلان أن «المطوف هو الذي يكفل جميع حاجات الحاج وأغراضه منذ أن يطأ رصيف جدة إلى أن يطأ سلم الباخرة قافلا، فيحمله إلى مكة ثم عرفة، ثم إلى المزدلفة، ثم إلى منى، ثم يعود به إلى مكة، وإذا أراد الزيارة هيأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة، وهناك سلمه إلى المزور الذي هو صاحب هذه المصلحة في المدينة لا يتجاوز عليه غيره فيها».

وفي كتابها «إسلام نبيلة إنجليزية وحجها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة» ترجمة وتحقيق عمر أبوالنصر، المكتبة الأهلية، بيروت، (1353هـ - 1934م)، تصور الليدي إفلن كوبولد (Lady Evelyn Cobbold) رحلتها لحج بيت الله الحرام، ناقلة كأول امرأة إنجليزية صورا واضحة عن الحج ورحلته.

والليدي إفلن التي عرفت بعد إسلامها بـ «زينب»، بعد وصولها إلى مكة المكرمة حرصت على التجول بأحيائها وطرقها، فتعرفت على كثير من عادات المكيين وتقاليدهم، وتعرفت على مهام المطوفين وأعمالهم، وأعجبت بأعمالهم ومواقفهم، وتحدثت عن قدرات المطوفين وتمكنهم من اللغات المختلفة للتحدث مع الحجاج القادمين من مختلف بقاع الدنيا، ومشاهدتها لبعض المطوفين وهم يساعدون حجاجا تقطعت بهم السبل، وانتهى ما لديهم من مال فقام المطوفون بمساعدتهم ودفعوا لهم نفقات عودتهم إلى بلادهم.

وقالت: إن الزمن لن يمحو من ذهني وذاكرتي المشاهد التي رأيتها في مكة والمدينة، وما وقعت عليه من قوة الإيمان، وجمال الإخلاص، وحب الخير للناس والأعداء على السواء، وهي أمور كنت أحس بها وأنا في البلاد المقدسة.