محمد أحمد بابا

متلازمة الكسل الفكري

الأربعاء - 01 أغسطس 2018

Wed - 01 Aug 2018

الكسل الفكري أحاط بالناس حتى لا يكاد يستقيم صلب أحدنا لمحاولة جمع شتات كلمة ولا ترتيب معاني جملة ولا استقراء بدائل أو فحص خيارات.

وانتقلت العدوى حتى أصابت كل ما يجتمع في الفكر من تصورات للأمور المادية والمعنوية على السواء، حتى أضحى تقليد لاحق لأسبق سابق حجة وبرهانا.

كل العالم سبر أغوار مأثوره وتاريخه، وانتقى الأفضل عن قطعية تجربة واستدلال غالب، وكل العالم تدبر كل الفرضيات والنظريات والفلسفات والثقافات، وأخضع كل الأفكار لفحوصات العقل، وأنجب فتحا علميا نستورده ولا نكاد نطيق قطع مدده.

إذا استمرت الحركية الفكرية في كسلها مستلقية على ظواهر الأمور والنصوص والميراث الظني تسليما في وصاية تطبيق لازمة - وإن تعسرت - فتلك أم المصائب التي إن حلت بأمة ضاعت هويتها. الكسل الفكري يقود للعجز عن استنطاق الأحداث، وتكرار ذلك قائد - لا محالة - للهرم في العقل الجمعي، ليأتي يوم يندر فيه من يفكر خارج ضلع صندوق وضع فيه نفسه، لأن أباه ومجتمعه تركاه عنده قهرا لا اختيارا.

كون آيات القرآن العظيم تدعو (للتدبر والتفكر) بصيغتي الفعل المضارع والأمر فذلك لكل عارف مساق استمرارية عبر العصور، ولا يمكن أن يكون الاستمرار يولد نفس نتائج تفكر الأولين، لأن ذلك تحصيل حاصل، وتلك نقطة ترفضها قواعد أصول الفقه، ولذلك فالموضوع يتطلب جديدا نحن مأمورون به، وسنجده لو امتثلنا التفكر، لا أن نمتثل لأفكار من تفكروا قبلنا جملة وتفصيلا.

لا أدري حتى اللحظة سبب هذا الكسل فينا:

- هل هو برودة التكييف الصناعي مع المسلمات؟

- هل هو الاكتفاء الذاتي بما أرهقنا نقله وتكراره؟

- هل الاعتماد على الخارج حتى في شراء الأفكار؟

- هل هو خوفنا من مصادمة عرف أو عادة؟

ورغم سهولة الحصول على المعرفة والمعلومة في الوقت الحاضر بسبب التقنية إلا أني وجدت متلازمة الكسل المعرفي مطردة مع وفرة الموجود، فكلما زادت كنوز المصادر بالعلم النوعي جاهز التناول زادت موجات الكسل الفكري اختيارا للراحة والرؤى مسبقة الطرح والنتائج.

وما مصيبة البحث العلمي على المستوى المدرسي أو الجامعي بل حتى الأكاديمي الأعلى ببعيدة عن هذا، فكسل كثير حفز كثيرا لتكون تجارة الإنابة في الكتابة عالم تسويق دون رقابة ولا إنكار.

وأزعم بأن الكسل هو مادة البطء التي أقعدت مراكز البحوث الوطنية عن نتاج يتواءم مع ما توفره الدولة - رعاها الله - من إمكانيات مادية لو نشطت بها عقول الكسالى لتغير وجه العالم حلولا وإبداعا وتطور مجالات.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال.