ياسر عمر سندي

قصة.. كيكي والضب

الأربعاء - 01 أغسطس 2018

Wed - 01 Aug 2018

اجتاحت منذ ثلاثة أسابيع تقريبا وعبر مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة أغنية «كيكي» العالم، وكذلك الطريقة والتقليعة المصاحبتان لإيقاعات هذه الأغنية، وهي عبارة عن رقصة قصيرة يتمايل فيها الشخص ويؤديها على أنغام أغنية المغني الكندي «دريك» بعد أن يترجل من سيارته أثناء انحدارها البطيء ويترك الباب مفتوحا ويقوم بتصويره من الجهة المقابلة سائق السيارة نفسها. ويقال في روايتين مختلفتين إن أغنية «كيكي» استهدفت في الأصل فتاتين حسبما نشر في وسائل التواصل الأمريكية، الأولى هي المغنية الكندية من تورنتو «كيشيا شانتي»، حيث كانت الحب الأول في حياة المغني «دريك»، والرواية الثانية أنها «كيانا باربر» أمريكية من كاليفورنيا والتي ارتبطت عاطفيا بالمغني المذكور مؤخرا. وقد حققت هذه المقاطع مشاهدات عالمية خارج نطاق التوقع، والتي تزايدت خلال أكثر من أسبوعين تقريبا إلى ملايين المتابعين، بل وتعززت تلك المشاهدات بعدما قام بأدائها الممثل الأمريكي «ويل سميث» وهو في مشهد خطير يرقص على جسر معلق، وانتقلت بعد ذلك إلى المشاهير العرب من الممثلين والفنانين ومشاهير التواصل الاجتماعي العربي والخليجي وممن لهم تأثير على سلوكيات الشباب. ما أرمي إليه من السرد والتتبع لشخصيات وأحداث ظهور قصة أغنية «كيكي» هو محاولة الوقوف على سلوكيات انتشار هذه الظاهرة وغيرها من الصيحات على وسائل التواصل الاجتماعية، خاصة اليوتيوبية والواتسابية التي انتقلت بين شبابنا كالنار في الهشيم، ودخلت عالمنا العربي والإسلامي مع الأسف دون استئذان، وتسببت مؤخرا بحوادث دهس جسيمة تم تسجيل وقائعها على الهواء مباشرة من خلال الهواتف الذكية لشباب وشابات انقادوا وراء ذلك التقليد الأعمى لرقصة «كيكي». ولا تعد ظاهرة «كيكي» لهذا العام 2018 هي الأولى من نوعها، بل سبقها تفشي ظاهرة «تحدي الثلج» في العام الماضي 2017، والذي يقوم فيه المتحدي بسكب ماء بارد جدا وممتلئ بالثلج على رأسه ويتم تصويره من قبل شخص آخر وهو يقوم بذلك التحدي، وأيضا في 2016 انتشرت لعبة «البوكيمون» والجري خلف ذلك الشبح الالكتروني الذي يتم رصده من خلال تطبيق عبر الهواتف النقالة في أي مكان وعلى أي طريق، مما تسبب في حدوث نكبات مأساوية انتهت بموت كثيرين ممن مارسوها.

وهذه السلوكيات التي غزت مجتمعاتنا العربية، خاصة الخليجية المسلمة، لها تفسير نفسي عميق، فمن خلال ما يسمى بسلوك «المسايرة» وهو التقليد الأعمى لمجموعة الرفاق ومحاولة إجراء نسخة مشابهة وتغليفه بصبغة عربية ونكهة خليجية، وأيضا اتباع سلوك «اللا مبالاة وعدم الاستحياء» من خلال مشاهدتنا لشباب حاولوا التصوير وهم يرتدون ثيابا خليجية ويتمايلون بطريقة مقززة ومشينة أو من شابات ارتدين العباءة السوداء والمفترض أنهن في حالة تستر واحتشام وحياء، وفي المثل العربي الشائع خير دليل «إن لم تستح فاصنع ما شئت».

وأعزو ذلك أيضا إلى ما يشعر به الشباب حاليا من فراغ روحي وعاطفي كبير. وعدم وجود قدوة مجتمعية جاذبة سواء كان من الأسرة أو المدرسة أو الأصدقاء أدى إلى حدوث انتكاسة نفسية ساعدت على التوجه لهذه السلوكيات من خلال لفت النظر ومحاولة جذب الانتباه لترويج ذلك إعلاميا وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعية، ومحاولة تفريغ الطاقات باتباع هذه الظواهر الغريبة والتقليعات الدخيلة، ويستحضرني في هذه المواقف الحديث النبوي الشريف عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال :(لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن)، صدق عليه الصلاة والسلام فيما أخبر. فالاتباع الأعمى من شبابنا لما يفعله الغرب من سلوكيات وتقليعات لا ينطبق على مجتمعاتنا ولا على شخصياتنا، وعلى الأسرة، خاصة الأب والأم دور بارز ومهم في رفض وإنكار هذه السلوكيات، وذلك بتتبع الأبناء ومراقبتهم بالطرق الإيجابية التي يتخللها الحرص والخوف مع البعد عن أساليب التخوين أو ممارسة أسلوب التفتيش المفاجئ والتحقيق العسكري. بل يجب تعزيز مبدأ الاحتواء الأسري الدائم بالنصح والتقرب لتعبئة خانة الفراغ الروحي والعاطفي، وأيضا تدعيم جانب النمذجة السلوكية الحسنة من الوالدين وتهدئة الطاقة الكامنة وتحويلها لممارسة الرياضة الجماعية الأسرية والحرص عليها وجدولة الزيارات الاجتماعية والأسرية، ومراقبة أصدقاء الأبناء والجلوس معهم والتعرف على أسرهم أكثر، ومحاولة تبليغ الجهات المختصة والأمنية في حال وجود خطر أو ما يخدش الذوق العام نتيجة ممارسة تلك السلوكيات الهابطة والغريبة على شباب مجتمعنا، لتوعيتهم وتقويمهم ومخالفتهم وتوقيفهم، فهي مسؤولية اجتماعية على الجميع، ومن قصة ليلى والذئب إلى قصة كيكي والضب سنرى العجب.

@Yos123Omar