أسعد سراج أبورزيزة

وحشية ضبط النمو السكاني

السبت - 28 يوليو 2018

Sat - 28 Jul 2018

توقع معهد الموارد العالمي أن يضاف لسكان الأرض 2.3 مليار إنسان بحلول 2050، منهم 90% في الدول الأقل تطورا. واختلف علماء الديموغرافيا، فيما بعد ذلك، فهناك من يتوقع الاستمرار ليتجاوز العد 13 مليارا بنهاية القرن، ومن يرى أنه سيقف، بالضرورة، عند فاصل التسعة مليارات لمحدودية مواردنا الغذائية.

والخوف من الانفجار السكاني وعجز موارد الكوكب عن سد احتياجات الإنسان ليس جديدا، ففي عام 1798 نشر البريطاني توماس مالثيو كتابه «مقال في قواعد الكثافة السكانية»، وتنبأ فيه باستمرار الزيادة في عدد السكان حتى توقفها الكوارث والمجاعات، وطالب بضبط النسل، وقسم الضوابط إلى نوعين: الفاعل، ويشمل الحروب والأوبئة والمجاعات، والوقائي، ويشمل الإجهاض، تحديد النسل، الدعارة، تأخير الزواج والعزوبية.

وجاءت الثورة الزراعية واستخدمنا الأسمدة والمبيدات الكيماوية فزادت المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية، وتجاوزنا نبوءته. لكنه لا يمكن الاعتماد على التطور التقني، فهناك سقف للموارد لا يمكن تجاوزه، ويبقى شبح الكوارث والمجاعات مخيما. بوسعنا اللجوء إلى مقترحات مالثيو لتحديد النسل، ويمكن إضافة أدوات أخرى إليها، بذرائع حماية حقوق الإنسان والأقليات، كإخراج المرأة إلى سوق العمل وتمكينها، وإباحة زواج المثليين، وهذا رأي النخب في الشمال والأثرياء في الجنوب.

ففي مقاطعة هيل توب بولاية جورجيا نصب تذكاري شيده مجهول في عام 1988، من حجر الجرانيت مكتوب عليه عشر وصايا، أولها «الحفاظ على البشرية تحت نصف مليار آدمي». هذه ليست وصية من مجهول على حجر الجرانيت، إنها معتقدات النخب الذين تزعجهم مزاحمة الفقراء. ففي مقابلة نشرت على اليوتيوب، يرى تد تيرنور، عملاق الإعلام الأمريكي أنه لا بد من الرجوع بعدد السكان إلى ما دون المليارين، وفي مقابلة له مع مجلة أودوبون عام 1996 يرى أنه «من المثالي فناء 95% من السكان ليصبح العدد 200 أو 300 مليون».

وفي كتابه «سرب الإنسان وقتل الحياة البرية»، يقول ديف فورمان أحد قيادات نادي سييرا، ومؤسس جمعية الأرض أولا «للحفاظ على الحياة البرية لا بد أن نصل بعدد سكان الأرض إلى ما دون المليارين»، ويقول «إنني لا أرى لإنقاذ الأرض من الدمار حلا غير الانحسار العنيف لعدد سكان الأرض»، نقلا عن خطاب بيدنوتو في مؤتمر التعليم الاقتصادي، أبريل 1990، وفيه يقول «المجاعة في إثيوبيا هي الدفاع الطبيعي للكوكب، ولا بد من ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي». وفي تعليق على موقع أي زس كوتس، يقوب فورمان «لو لم يصبنا مرض الإيدز لاخترعه البيئيون».

وفي 1974 أصدر مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة وثيقة سرية، عنوانها «مذكرة دراسة الأمن القومي»، وتعرف بتقرير كيسنجر، ومتاحة على «https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/Pcaab500.pdf».

تحدثت هذه المذكرة عن تأثير الزيادة في عدد سكان الدول الأقل تطورا على أمن الولايات المتحدة، وقدرتها على تأمين احتياجاتها من الخام، وحثت على اتخاذ التدابير الضرورية للحد من الارتفاع المنفلت لعدد السكان في 13 دولة، بينها بنجلاديش وإندونيسيا والهند وباكستان وتركيا والبرازيل، واقترحت حلولا منها توظيف المعونات الإنسانية للضغط على الدول الفقيرة لتتبنى برامج تنظيم الأسرة.

وذكر التقرير أنه من المناسب اللجوء إلى دعم المنظمات العالمية كالأمم المتحدة وتمويل برامجها، وكذلك تمويل المنظمات غير الحكومية التي تنادي بتنظيم النسل.

ويذكر «وورويك» في مقال نشر عام 1973 أن معظم برامج تنظيم الأسرة وضبط النسل في الدول الفقيرة تمولها وتديرها مؤسسات أجنبية.

وبين العامين 1995 حتى 1997 تم تعقيم 300،000 امرأة، و22،000 رجل في البيرو، في برنامج عنوانه «حملة منع الحمل الجراحية الطوعية»، وتم فيه التهديد بحبس المعونات الغذائية عن الأطفال الجائعين إن لم تشارك أمهاتهم في البرنامج، وتمت مناقشة هذا البرنامج في جلسة استماع لمجلس النواب الأمريكي بتاريخ 25/2/1998، بعدها تقرر إيقاف الدعم عن البرنامج. وفي مقال على ناشيونال جيوجرافيك 2012 ذكر أنه كان يتم اختطاف النساء في الأرياف الهندية، لإجراء العملية قسرا، وتم تعقيم ثمانية ملايين امرأة في 1975 معظمهن من الفقيرات.

وعلى الفاينانشيال تايمز 11/12/2015 «أجرى الأطباء الصينيون أكثر من 330 مليون عملية إجهاض» بسبب القيود التي تفرضها برامج تحديد النسل، وتدعمها هيئة الأمم. ويذكر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية 2013 أنه تم تعقيم 200 مليون امرأة بنفس الفترة. وبحسب النيويورك بوست 3/1/2016، تم في عام 1983 وحده تعقيم 16 مليون امرأة صينية وأربعة ملايين رجل. أما الحروب فتسري في العالم الثالث كالنار في الهشيم، والأوبئة تصيب أفريقيا وتبيدها.

أما آخر الابتكارات فهي الشرائح الالكترونية، يزرعونها اليوم في جسم الطفل، ربما لتمكينهم غدا من تمثيل دور الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل «1984»، والتحكم حتى في تناسله.

من السهل رؤية الخيط الذي يربط الأهداف المعلنة لكثير من برامج المعونات وقضايا حقوق الإنسان، والنوايا المستترة لإخلاء الكوكب، كي تنفرد به النخب.

وكان من الممكن اللجوء إلى التعليم وتطوير المجتمعات لضبط الخصوبة، كما هو الحال في معظم دول الغرب. وفي كثير من الدول الصناعية أمثلة على آليات ناجحة تخلو من الظلم والوحشية. لكنهم يكرهون مزاحمة الفقراء.