الانتساب ورحلة العلم

الجمعة - 27 يوليو 2018

Fri - 27 Jul 2018

طلب العلم أمر نسقي ويرتكز على ثلاثة محاور أساسية، تتكون من طالب ومنهج وجسر لتوصيل المعرفة، وقد يكون الجسر أستاذا، أو مدونة تشرح محتوى المادة العلمية. ولقد عمدت كثير من المؤسسات العلمية في أغلب دول العالم إلى تأطير المعرفة في قوالب ميسرة وفق تسخير الشبكة العنكبوتية كأداة لتقريب العلم للقاصي قبل الداني، ينال من خلالها الطالب الدرجة العلمية وهو لم يغادر باب غرفته. وهذه البرامج وإن تعددت أسماؤها، فهي تصب في قالب واحد وهو الانتساب، والانتساب حرفيا: منح فرصة علمية لأشخاص تمنعهم ظروف الحياة كالعمل وكبر السن وغيرهما من الالتزام التام بالحضور والانصراف لطلب العلم، وقد ذكر أقارول أن «التعليم عن بعد قادم مثل الموج وسيجرف معه كل السفن».

وقد منحت مؤسساتنا التعليمية هذه الفرصة للطلاب والطالبات في الفترات السابقة، ولكنها كانت تفتقد للمعيارية السليمة، وللتأطير العلمي السوي، والذي نتج من خلاله مخرجات غير سوية أدت مؤخرا إلى منع برنامج الانتساب كليا وحرمان الطلاب من ذلك، والسؤال: هل المنع حل جذري لهذه المشكلة؟

الجواب سهل لدى كل ذي لب بأن المنع يخلق جوا من الضيق في العيش ليس على مستوى التعلم فحسب، وإنما في كل جوانب الحياة. وإسقاط جميع التهم على مخرجات الانتساب، إنما هو كمثل من يسقط الفشل على صعوبة المنهج وليس على عدم المذاكرة، لأن مخرجات الانتظام لم تصل إلى حد الرضا في مؤسساتنا التعليمية فكيف بالانتساب وهو جزء من برامج الانتظام؟

للحصول على مخرجات جيدة من برنامج الانتساب لا بد من إعادة هيكلة برامج الانتظام، والهيكلة تعني إعادة ترتيب السلم الهرمي في مؤسساتنا التعليمية بداية بإعداد معلم يقدس العلم والتعليم قبل الوظيفة، ومن ثم نعد مثل هذا المعلم من خلال تعيين أساتذة جامعة أكفاء، وليست الكفاءة هنا مرتبطة باللقب العلمي (دكتور أو برفسور)، وإنما بالمعرفة المتراكمة التي يمتلكها الأستاذ الجامعي، وليس لها ارتباط بالنشر العلمي أو السيرة الذاتية المنمقة، وإنما تكمن في شخص يقدر وقت العلم وطلب العلم، ومن ثم إعادة هيكلة كليات التربية لأنها المسؤولة بالدرجة الأولى عن إعداد المعلم سلوكيا وتربويا قبل معيار الوظيفة. ومن الجانب الآخر فإن وزارة التعليم مطالبة أشد الطلب بتخفيف ما يسمى بالبرامج الإعلانية التي عمدت إليها غالب إدارات التعليم لإخفاء القصور المعرفي وصرف نظر الوزارة إلى الإنجازات الكشفية وغيرها من الأنشطة اللا صفية، مما جعلنا كما قال عمر بن كلثوم:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

لقد ألهت إدارات التعليم الوزارة عن الهدف الأساسي وهو إنتاج جيل واع بالمعرفة، لا ننكر أن الأنشطة اللا صفية لها دور حتمي في صقل شخصية الطالب، لكن تركيز الجهد كما قيل حول جودة التربة وإهمال الماء لا يجعل الشجرة مثمرة، إن توجيه الطلاب من المراحل الأولى للتعليم نحو حب القراءة وكذلك نحو التعرف على ميولهم مبكرا، وكذلك تغيير نمطية التعليم الثانوي من قسم شرعي وعلمي وإداري إلى أقسام متعددة كتخصص دقيق من بعد مرحلة الصف الأول الثانوي، وذلك بفتح تخصصات دقيقة مصغرة تعكس الصورة الكبرى للجامعة حتى إذا ما التحق الطالب بالجامعة يكون على نفس المسار العلمي الدقيق أو نظيرة الأدبي.

بذلك يصبح لدينا وعي شامل عن المعرفة والتعليم، وتفتح أبواب الانتساب أو التعلم عن بعد من جديد ويشترط فيها الاختبار الشامل، والذي يكون على ثلاث مراحل، وتشمل مرحلة أول الدراسة للتأكد من جودة المدخلات، ومن ثم اختبار في منتصف المرحلة للتأكد من سلامة المعرفة، ومن ثم اختبار قبل منح الدرجة العلمية للتأكد من جودة مخرجات التعليم، بذلك نكون قد أنصفنا المنتسبين وأنصفنا المؤسسات التعليمية.