عبدالله العولقي

بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد

الخميس - 26 يوليو 2018

Thu - 26 Jul 2018

لا شك أن رجحان كفة الإعلام الجديد في ميزان المنافسة مع الإعلام التقليدي قد شرعت بيارقه مع تدشين وكالات الأنباء العالمية وقنوات التلفزة والصحف الشهيرة حساباتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعية، استسلاما منها لهذه الآلة الإعلامية الحديثة، واعترافا خاضعا لقوة التأثير المجتمعي لأدواتها التواصلية.

في المستقبل القريب، ستظل قنوات التلفزة صامدة في وجه الآلة الإعلامية الجديدة نظرا للفكرة الرسمية التي تمنحها الحكومات والدول لها حتى اللحظة، ولكن الإشكالية والتحدي الحقيقي سيكونان مع الصحافة الورقية التي يراهن البعض على قرب انقراضها، ولا سيما أن بعض الصحف قد تحولت بالكامل إلى الإعلام الرقمي الجديد، بينما المنافحون يرون أن الورق الصحفي لا يزال صامدا في وجه التحول الإعلامي بسبب سحره التصفحي وعبقه التاريخي الذي ما زال - لدى البعض - قصة عشق مع قهوة الصباح، ولكن هل سيستمر هذا الغرام مع الجيل الجديد؟!

التطور التقني في عالم الإنترنت هو الذي منح الإعلام الجديد هذه الفضاءات الفسيحة في التأثير وتوجيه الرأي العام، خاصة أن البعد الاجتماعي هو المسيطر على بنيويته الإعلامية حتى في أبعاده الرياضية والثقافية والسياسية، ولذا استطاع زمنيا أن يخلق حالة كونية تتجاوز حدود الجغرافيا كما نرى في نجوم الرياضة والفن وتواصلهم مع متابعيهم ومعجبيهم في كافة أرجاء الدنيا.

ففي عالم الثقافة ظلت النخبوية العاجية تتصدر المشهد عبر أعمدة الصحف ولقاءات التلفاز، حتى برزت الميديا الجديدة فأفرزت نخبوية جديدة ذات تنافسية في مفهوم الشهرة، أسهمت في تغيير المفهوم الثقافي حينما احتلت الواجهة، بل وتصدر معها بعض غوغائية المشاهير الذين وصل الحال عند بعضهم لتأليف الكتاب وترويجه في الثقافة العامة، وعندها أحجم بعض المثقفين عن هذا الإعلام الجديد بسبب تكثف الحابل بالنابل، وعدم القدرة على التمييز النقدي في الفرز، بينما هناك مثقفون - كالغذامي مثلا - قد آثروا الخوض في هذا العالم الجديد بكل معانيه لإيمانهم بضرورته الحتمية، وأنه وسيلة لا بد منها للتواصل مع الجمهور الثقافي.

كما أفرز الإعلام الجديد نخبوية إيجابية من الشباب الصاعد في الإعلام، تكمن في إبداء الموهبة الغريزية وإضفاء الشهرة عليها، وقد استمتعنا كثيرا بالحس الفكاهي الذي أبدته كوكبة من كوميديا الفطرة الشعبية، مما دعا بعض قنوات التلفزة لاستقطابهم ضمن كوادرها الإعلاميين والاستفادة من شعبيتهم عبر الاستثمار الأمثل في طاقاتهم وتأهيلها بصقل موهبتهم بالتدريب ومنح الفرصة لهم في هذا المجال الحيوي.

كذلك عشاق التصوير الفوتوجرافي والإخراج السينيمائي، كان للإعلام الجديد فضل واسع في إبراز موهبتهم عبر دعم المجتمع لحساباتهم الافتراضية في تويتر والسناب شات، حيث كان لموهبتهم اليد الطولى في جذب المتابعين ولفت الأنظار إلى محتواهم الإبداعي.

أما خطر هذه الآلة الإعلامية الحديثة فيكمن في قضايا الإرهاب، كونه يمثل سمة اليسر في نشر الفكر المتطرف بين الناشئة والشباب عبر إيقاظ العاطفة الدينية في التغريدات وجذب الجماهيرية العشوائية، ومن ثم بث الشبه الدينية وزيغ الضلال كدس السم في العسل، وهنا ينبغي التصدي لأمثال هؤلاء بالكشف المباشر عن توجهاتهم ومآلاتهم عبر التثقيف المجتمعي المتكامل، لإنهاء هذا الخطر الموبوء في عصرنا، وهناك خطر آخر كما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا في قضايا التحرش بالأطفال عبر التسلل لهم في برامج الألعاب الالكترونية ثم الإيقاع بهم، وقد بدأت برامج توعية الأسر لهذا الخطر المحدق بأبنائنا.

أخيرا، في ميديا اليوم تختلط الموهبة الفذة مع المزيفة، يمكن للشخص أن يقدم نفسه في البروفايل كشاعر أو مثقف، مدعما حسابه بشراء آلاف المتابعين لحسابه بغض النظر عن حقيقة الموهبة ومكنونها، وربما يصل إلى الجماهيرية الشعبية المنشودة على خلاف الشعراء التقليديين السابقين الذين مضت أعمارهم وهم يحفرون بأظافرهم على جلمود الصخر حتى يكتسبوا الشهرة بشاعريتهم وموهبتهم، وهذه المفارقة العجيبة تعكس مدى الضوئية الزمنية التي نعايشها اليوم في عالم الميديا الجديدة رغم حداثتها، وما تخبئه لنا أغوارها في الأيام المقبلة!