عبدالله الجنيد

رسائل شي جين بينغ

الاثنين - 23 يوليو 2018

Mon - 23 Jul 2018

سر انجذاب الكبار لشبه جزيرة العرب لم يعد يكمن في ثرواتها أو مكامن الطاقة فيها فقط، بل لأنها باتت اليوم بوابة الولوج إلى الشرق الأوسط القائم أو ما هو قيد الترسيم وما يتصل به من جغرافيا في اتجاهاتها الأربعة. أضف إلى ذلك ما تمثله هذه الجغرافيا من وصاية طبيعية على خوانق مائية هي الأكثر حيوية للتجارة الدولية. لذلك، كانت الرياض محطة الرئيس ترمب الأولى بعد انتخابه، وكانت أبوظبي محطة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأولى بعد إعادة انتخابه رئيسا مطلقا للصين. وعليه فإن اختيار الرياض لا يختلف عن اختيار أبوظبي، فلكل منهما رسائل متجاوزة للإقليمية لإدراكهما المآلات المستقبلية لحالة التوأمة المتنامية بين الرياض وأبوظبي سياسيا.

الرئيس ترمب اختار الرياض للإعلان عن رؤيته الجديدة للشرق الأوسط، فهل كانت أبوظبي المحطة التي اختارها الرئيس شي جين بينغ للإعلان عن تحول أو تحولات في رؤية الصين لشركائها في شبه الجزيرة العربية بما يتجاوز التجارة لتتصل بالسياسة عبر استراتيجية الطوق والطريق؟

بالتأكيد نحن لا ننكر على الصين حقها في اختيار شركائها في الشرقين الأدنى والأوسط، لأنه واقع تفرضه الجغرافيا ضمن استراتيجية الطوق والطريق، إلا أن للمصالح المشتركة حاكمية لا يمكن التجاوز عليها في علاقاتها التي تطمح في أن تكون استراتيجية مع دول شبه جزيرة العرب، خاصة فيما يتعلق بالاستقرار في حيزها الجيوسياسي. فأمن واستقرار باكستان وأفغانستان شرقا، بالإضافة لمنطقة القرن الأفريقي غربا تمثل أولوية استراتيجية بالنسبة لنا. أما أمر التعاطي مع السياسات الإيرانية أو محاسبتها فإن ذلك مسؤولية المجتمع الدولي بشرط أن يراعى فيها حجم ما تمثله العبثية الإيرانية من إضرار باستقرار دول شبه جزيرة العرب.

فهل ستشمل جملة المراجعات الصينية مفهومها للتوازن في العلاقات على أسس استراتيجية أو فقط بما يخدم استراتيجية الطوق والطريق شرق أوسطيا؟

كذلك على الصين الانتباه لما يتصل بأمر أمن واستقرار شبه الجزيرة العربية، فإن اليمن أمر لن يقبل المفاضلة فيه بين التجارة والسياسة، وذلك ما بات واضحا للجميع، مما يستوجب عليها الإقرار بذلك المبدأ. فإن كان أمر الاعتراف بالمصالح الصينية في الفضاء الجيوسياسي لشبه الجزيرة العربية حيويا لطرفي المعادلة، إلا أن أمر الاتفاق على تعريف الاستقرار وأدواته السياسية يجب أن ينجز الآن ويترجم عمليا قبل الشروع في الاتفاقيات المتعلقة بإعادة الإعمار في كل من سوريا والعراق (وهنا مربط الفرس الصيني تكتيكيا). فإن أرادت الصين شراكة حقيقية، فعليها ترجمة مفهومها بما لا يقبل الإضرار بمصالحنا كذلك.

إن افتراض أي من الولايات المتحدة أو الصين أن دول شبه جزيرة العرب قد تقبل أن يفرض عليها الدخول في حرب باردة جديدة يعد قصورا إدراكيا عند كليهما، فلهذه الدول اليوم رؤيتها الخاصة انطلاقا من حتمية جغرافيتها السياسية والاجتماعية. ذلك بالإضافة إلى أن هذه الدول قد طورت وأضافت الكثير من المفاهيم والمفردات الجديدة لقاموسها السياسي ولغتها الدبلوماسية.

aj_jobs@