هيثم الهيتي

هل إيران تتجرع السم في العراق؟

الخميس - 19 يوليو 2018

Thu - 19 Jul 2018

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إن الاقتصاد الإيراني ينهار، متوقعا أن تجبر المصاعب الاقتصادية إيران على السعي لاتفاق أمني مع واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وأضاف الرئيس الأمريكي قائلا «أعلم أن لديهم الكثير من المشاكل وأن اقتصادهم ينهار، لكن سأقول لكم هذا: في مرحلة ما سيتصلون بي وسيقولون فلنبرم اتفاقا. إنهم يشعرون بألم كبير الآن».

وهنا يكمن السؤال المهم: إذا كان الإيرانيون يتألمون كما قال الرئيس الأمريكي فمتى سيتصلون بالإدارة الأمريكية للحصول على حلول تفاوضية؟ فإيران اليوم في محنة اقتصادية وداخلها الجماهيري يتصدع وقواتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ولكن عمق بدء نفوذها وقدرتها كان في العراق، فهل نهايته هناك أيضا؟

دهاء الفرس دفعهم لتأسيس نفوذهم من خلال خطة لتفتيت العراق طائفيا وزراعة الميليشيات وتخليف المجتمع وترسيخ النفوذ الاقتصادي الإيراني، وها هي اليوم مدينة البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق ومدن الجنوب الأخرى تشتعل شعبيا وتنتفض الجماهير لتذهب راجلة تندد بخمسة عشر عاما من الفساد والفشل، وتحرق مقرات الأحزاب القريبة من إيران، فمن وراء هذه الانتفاضة الجماهيرية التي أشعلت مدن الجنوب التي يقع فيها 71 % من الاحتياطي النفطي العراقي؟ وهل يعقل أن إيران خلفها؟ ولكن كيف والجماهير تنادي بسقوط إيران؟

وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نفكر كيف بدأت هذه الانتفاضة الجماهرية؟ لقد بدأت في ظل شهر تموز الذي هو شهر الثورات العراقية تاريخيا، ففي تموز كانت ثورة 14 تموز 1958 ضد الملكية، وفي 17 تموز 1968 جاء البعثيون للحكم، وهو الشهر الذي ترتفع فيه درجات الحرارة لأعلى مستويتها وتدفع الإنسان العراقي للتحول لثائر ليس على الأجواء المناخية فحسب، بل على واقعه السياسي والاجتماعي، وفعلا جاء تموز 2018 وأوقفت إيران تصديرها للتيار الكهربائي، وبالتالي انقطعت المياه الصالحة للشرب والتحمم نتيجة لتوقف المضخات الكهربائية، وتوقفت كل الأجهزة التي تخفف من درجات الحرارة التي وصلت لأكثر من 55 مئوية، خاصة إذا علمنا أن الفساد المالي والإداري جعل من محافظة البصرة تستورد طاقتها كليا من إيران بدلا من أن تنشأ فيها محطات خاصة.

لقد طالبت إيران بسحب وتحويل ما يتراوح بين 350 و380 مليون يورو من حساباتها بالمصرف التجاري الإيراني الأوروبي الذي تملك فيه أرصدة كبيرة، والخاضع لإشراف البنك المركزي الألماني (بوندز بنك)، لتجنيب هذه الأموال التجميد حال دخول العقوبات الأمريكية المشددة التي ستستهدف القطاع المالي الإيراني حيز التنفيذ، وهنا يبدو أن الإيرانيين يشدون الأحزمة ويتهيؤون لحالة العوز الاقتصادي التي قد تفجر داخلهم إلا أنهم ارتأوا نقل الانفجار إلى داخل العراق، حيث يعلم الإيرانيون جيدا أن العراقيين بل وعمقهم الجنوبي ناقم على التدخل الإيراني وناقم على الفساد والإهانة، وأن لإيران خيارين لا ثالث لهما، فإما أن ترضخ للحصار وتتنازل عن كل شيء، وقد يؤدي ذلك لأن تشتعل الانتفاضة داخلها بدلا من جنوب العراق، أو أن تستخدم خيارا مرا في العراق وتتجرع السم فيه وتؤجج العراقيين للانتفاض على واقعهم من خلال حصار الطاقة، وبالتالي قد تهدد حلفاءها من الأحزاب بأن يواجهوا هذه الانتفاضة ويخسروا وجودهم، لكن الغاية تبرر الوسيلة وهي أن التهديد الإيراني هو في عمقه لتهديد شركات النفط الغربية في الجنوب، حيث إن عشرات المحتجين تظاهروا في معبر صفوان الحدودي مع الكويت، وفي مدخل حقل مجنون النفطي، وهو أحد أكبر الحقول في البلاد ويقع على بعد 40 كلم شمال البصرة، وفعلا باشرت شركات النفط بترحيل موظفيها الأجانب من البصرة جنوب العراق، كما أن المتظاهرين حاولوا اقتحام أحد المواقع النفطية في حقل غرب القرنة 2، وتسببوا في إحراق بعض أبنية البوابة الخارجية.

والهدف الإيراني هو دفع هذه الشركات النفطية لأن تتحمل خسائر باهظة جدا تؤلمها وتؤثر في لوبياتها التي يمكن أن تتحرك في واشنطن ولندن وأوروبا لتضغط على إدارة الرئيس ترمب والأوروبين لتخفيف الحصار عسى أن يكون هناك حل تفاوضي ينصاع له الغرب، لذا فإن إيران قد تجرعت السم وأشعلت فتيل النار الذي قد يحرق حلفاءها في العراق لأجل مصالحها السياسية والاقتصادية ولأجل تسهيل الطريق لمفاوضتها مع الغرب وإبقاء نظاما حيا، خاصة أن عددا من شيوخ ووجهاء البصرة قد هددوا بتوسيع احتجاجاتهم لتشمل الموانئ والمنافذ البرية والحقول النفطية في حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم بتحسين منظومة الإمداد بالكهرباء.

وبالتالي فإن إيران رغم ذلك ما زالت تتجرع السم لأن الانتفاضة خرجت من نطاق البصرة وتمددت لتشمل محافظات أخرى غير نفطية، ولكن لا خيار ثالثا لديها، وبانتظار رد شركات النفط، هل ستتحمل الضغط الإيراني أم إن إيران ستتراجع عندما تشعر أن السم جرعته كبيرة وسيحرق آخر ورقة لها في العراق.