حسن علي العمري

الآداب العامة

الثلاثاء - 17 يوليو 2018

Tue - 17 Jul 2018

يحمي النظام العام كل تجمع أو تواجد للأفراد في الأماكن العامة كالأسواق والحدائق والمتنزهات أو الطرق العامة. وحماية الآداب العامة بنصوص قانونية لا ينفي عنها كونها مبادئ وقيما متجذرة في المجتمع تتفاعل مع ضمير المجتمع وسابقة لوجود النظام الذي يأتي لمنع كل تطاول أو تحد لقيمه وأخلاقياته وقبلها دينه وثوابته، وعمومية المكان تعني حرية العامة في الدخول لهذا المكان والخروج منه دون قيود، وبالتالي فغاية النظام العام تتحقق في هذه الأماكن كونها ميدانه الطبيعي المتجرد الذي تتجلى فيه ممارسات الأفراد وأخلاقهم وسلوكياتهم على حقيقتها بعيدا عن عين الرقيب من أسرة أو مجتمع كنتاج طبيعي لتفاعل قيم دينية واجتماعية وسلوكية تعكس بتجرد ثقافة الاعتقاد بالحقوق والحريات، مع ما تجهله بعض الفئام من خطورة تبادل نشر السلوكيات والأفكار وسرعة انتقالها في تلك المواقع وتأثيرها على الغير وبالذات الناشئة سواء بقصد أو بدونه.

ومفهوم الأماكن العامة يتوسع ليشمل المدارس والجامعات وأماكن الاحتفالات والحدائق والمتنزهات، إضافة لمحال البيوع والمقاهي والنوادي والمسارح والأسواق، ففي ثناياها تحدث تصرفات أو مظاهر مخلة بالآداب أو الأخلاق والذوق العام، لكيلا تتحول هذه الأماكن من مصدر للبهجة والتنزه والتمتع بجمال الطبيعة والمكتسبات الطبيعية أو هدوء المكان إلى سياط تجلد أحاسيس ومشاعر ذوي الآداب والقيم فتؤدي إلى الضيق والاضطراب وتوتر الأعصاب.

ومن تلك الحالات تشبه الأجناس بخلافهم والتنمر والتولد لدى الفتيات أو تميع الفتيان وارتداء الألبسة التي تظهر العورات والقصات الفاضحة المخلة بالذوق العام وغيرها، إلا أنه لا بد هنا من مسطرة يحتكم لها رجال السلطة في ممارسة واجب الضبط عند تقييم هذه التصرفات قبل ضبطها، فأي تصرف اصطلح أوساط الناس عقلا وسلوكا على تقبله من القواعد السلوكية والأخلاقية الظاهرة للعين ولو لم يكن ذلك واردا في نص القانون فإن الخروج عن ذلك السلوك هو مخالفة للآداب العامة ومساس بالنظام العام، ويجب على كل فرد الإبلاغ عنه وعلى سلطات الضبط أن تضبطه حالا سواء كان بناء على بلاغ أو من تلقاء نفسها لأنه مساس بالنظام العام ويشكل تهديدا للأخلاق وللذوق العام.

والمنشآت الاقتصادية والصناعية وإن كانت ملكيه خاصة إلا أنه عند وجود أي ممارسة داخلها تعد إخلالا بالآداب أو الأخلاق أو الذوق العام وتصبح ذات مظهر مادي ملموس فإن السلطة لا تقف حينها مكتوفة اليدين، بل تمارس واجبها في الضبط حفاظا على النظام العام بمفهومه العام ومنعا لتكدير سلم المجتمع واستقراره، ولا يلزم بالضرورة أن تكون هذه الأفعال ذات مظهر مادي فحسب، بل قد يكون مظهرها معنويا بإثارة الأحاسيس وتهييج المشاعر.

بقي أن أشير إلى أهمية الأخذ بمبدأ نسبية الآداب العامة لكل مجتمع، ففي مجتمعنا المحلي أجدني أميل إلى الأخذ بأن حماية الآداب العامة والذوق العام هي غاية من غايات الضبط الإداري في المجمل التي تعد ركنا ركينا للنظام العام، حتى لو كانت تلك التجاوزات في جوهرها لن تتعرض بشكل مباشر للنظام العام، إضافة للعلم بأن الآداب العامة هي درجة أقل من الأخلاق، منعا للدخول في النوايا، فإن تجاوزت تلك الممارسات خطا متوسطا اعتاده الناس للتمييز بين الحسن والقبيح فهي تجاوز للأدب الذاتي للأفراد فتلك معايير اجتماعية يرجع فيها للمجتمع وليس للأفراد، شأنها في ذلك شأن المحافظة على جمال الرواء، مع الإشارة بالتأكيد إلى أن المحافظة على الإرث الجميل للعادات والتقاليد في المجتمعات جزء لا يتجزأ من أمنهم الفكري الذي يجب المحافظة عليه من الشطط بأي اتجاه، فالتمرد والانحلال أو التظاهر بهما دونما وازع أو رادع لم يكونا أبدا في أي مجتمع مؤشر حرية أو دليل تطور أو موطن فخر.

تحارب جميع الأديان والقوانين مظاهر الانحلال والفوضى، سعيا للحفاظ على مكتسابات المجتمع وثقافته وإرثه التاريخي من العادات والتقاليد الحميدة.

تعد الآداب العامة ركيزة هامة لاستمرار العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع في إطار من الالتزام والمودة كونها مؤشرا ظاهريا على السلوك القويم.

الآداب العامة عامل مساعد على إحساس الشخص بحدود علاقته وحريته في تصرفاته فلا يتجاوزها إلى ما يؤذي الآخرين قولا أو فعلا أو يجرح مشاعرهم.

كل تصرف يمس الحياء والذوق العام في أي مكان أو مرفق عام فهو مخالف للآداب العامة ويجب ضبط فاعله ووضعه تحت طائلة القانون.

[email protected]