مرزوق تنباك

دعونا ننتمي للوطن وما غير ذلك هين

الثلاثاء - 17 يوليو 2018

Tue - 17 Jul 2018

من وسائل الاتصال الحديثة أصبحنا أمام سيل جارف يتساقط علينا كتساقط الرذاذ مما تحمله من أقوال وأخبار مزيفة ومفتعلة وأكاذيب ملفقة من كل جهة وصوب، حتى أصبح المتلقي للمواد التي تنشرها تلك الوسائل وما تنسبه لأفراد أو جهات تستهدفها يصدق ما جاء فيها ويتفاعل معها ولا يستطيع في الوهلة الأولى أن يميز بين الحقيقي والزائف من الأخبار التي تصبها هذه الوسائل مهما كان حرصه وتمعنه فيما ينشر على كل المستويات.

ولا يمكن أن تحدد مصادرها التي ترسل منها كل هذا الغثاء، لأن بعض هذه الأخبار يكون مرسلها على قدرة لا بأس بها من الذكاء والمعرفة وتصور ما يريد بعثه، فتكون حبكته لما يريد نشره معقولة أو قريبة من المعقول، وهذا الحال هو أخطر الأشياء، حيث تخفى حقيقته على غير النابهين من المتلقين الذين يستهدفهم ناشر الخبر ومروجه، وقد يلقى ما ينشرون القبول والتصديق ولو لبرهة قليلة، وهو ما يريده ناشرو الإشاعة والمروجون للأخبار الكاذبة والمختلقة التي تدوم لبعض الوقت وتبلبل الأفكار وتربك الناس إلى أن يتم تحليلها والنظر إليها ومعرفة الصادق والمزيف منها.

ولو ضربنا مثلا لهذه الإشاعات لوجدنا أنها تنتشر وتتكرر في أكثر من موضوع اجتماعي واقتصادي وديني، وغير ذلك، ولا سيما أن الإحصائيات تقول إننا أكثر الناس استعمالا لهذه الوسائل ومتابعة لها، وأكثر اهتماما وهياما بها. وقبل أسبوع تجرأ أحد هؤلاء على تصميم خبر ينقله عن جريدة الرياض، ونشر فيه زعما فاقع الكذب لا يمكن تصديقه حتى ممن لا علم عنده ولا معرفة، ولا يمكن أن يحدث ولا يقول به عاقل، ومع وضوح فبركته وزيفه واستحالة تصديقه طارت به وسائل التواصل، وانتشر بين الناس حتى من لم يصدقه جعله مجالا للتندر والنكتة، مما اضطر الجريدة لأن تنفي وتكرر النفي للخبر، وتهدد بأن ترفع الشكوى وتقاضي من تجاوز عليها وعلى مكانتها ومصداقيتها، ولكن لمن وعلى من؟ فناشر الخبر قد يكون خارج الحدود وخارج مسؤوليات القضاء، وقد لا تصل إليه الجريدة ومحاميها ولو بذلت الممكن والمستحيل، وفي النهاية ستسجل القضية ضد مجهول وما أكثر ما تسجل قضايا «تويتر والواتس» ضد مجهولين، والحبل على الجرار كما يقول المثل الشعبي.

ومما جر الحبل أمس تسجيل آخر بالصوت والصورة لسيدات يظهر أنهن من عضوات مجلس الشورى، ويتحدث في الشريط صوت امرأة توهم أنها من الأعضاء، وأنهن يناقشن قضية اجتماعية جدلية في مجلس الشورى عن موضوع مهم والحديث عنه كثير، وهو شأن يتعلق في الشباب والشابات والعنوسة والعانسات، وكانت المتحدثة تزعم مناقشة شيء غير مقبول الحديث عنه في مجتمع محافظ، وقد تفاعل الناس مع ما قالت المتحدثة وصدقوها، حتى جاء التصحيح من إحدى عضوات مجلس الشورى التي أكدت أنه لم يحدث أن نوقش الموضوع، والمتحدثة معروفة لديهم كما قالت، ومعروف اتجاهها، ورغم ذلك ذكرت أسماء النساء اللائي نسب لهن الحديث ومرت القضية بسلام، وأكثر التعليقات على الكلام تصدق ما قالت المتحدثة، وذلك ما يحدث بلبلة عند الناس وفوضى في المعلومة ومصداقيتها.

النوع الآخر الذي يجب النظر فيه هي تلك الحسابات التي تنتحل أسماء وطنية في وسائل التواصل الاجتماعية المتاحة، وكل ما تطرح فيها وتنشر يعد من التحريض المنكر والعنصرية البغيضة والتمييز بين الناس وتفتيت اللحمة الوطنية، وقد ذكر أحد المتخصصين أنه تتبع بعض تلك الحسابات فوجد أنها لغير مواطنين، وأنهم ينشرون ما ينشرون كيدا مقصودا لتفتيت وحدة المجتمع والضرر به، ولعل بعض الوسوم (الهاشتاقات) التي تصنف المجتمع وتشكك في انتماءاته وتبحث في أصوله من هذا النوع المغرض المحرض، فدعونا ننتمي للوطن وما غير ذلك هين.

Mtenback@