منصور الفقير

ثقافة السياق المنخفض وثقافة السياق العالي

الاحد - 15 يوليو 2018

Sun - 15 Jul 2018

المجتمعات تتكون من طبقات عليا ووسطى وعاملة، يختلفون في ظروفهم ومكاناتهم، ولكن يتشاركون محيطهم بعادات شخصية، وذهنية، وعلائقية، واجتماعية تشكل ثقافتهم، حيث يتفاعلون من خلال مفاهيمها. مثلا، يتوقع الجميع منك في ثقافة اليابان احترام النظام والاعتذار فور الخطأ، في ثقافة أهل الخليج العربي يتوقع أن تكون كريما مجاملا، وفي ثقافة الغرب أن تعبر بحرية وتنتقد! هذه العادات وثقافة التواصل بين أفراد المجتمعات تعرف بـ» السياق أو Context».

السياق نظام اجتماعي في ثقافة التواصل بين الأفراد كالأعراف وما يتوقعه كل فرد من الآخر. كما تنقسم إلى ثقافة منخفضة الارتباط بالسياق، وثقافة عالية الارتباط بالسياق.

ثقافة السياق المنخفض «Low Context Culture» تتواجد في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. التواصل في هذه الثقافة يكون بشكل مباشر ورسمي لإيصال الرسالة أو الفكرة. يتأكد الفرد هنا من إيضاح ما يريد بهدوء، وباختصار، ويقصد بشكل حرفي ما قال، يشاركك بما يتوقعه منك بوضوح وصراحة. أهلها واقعيون، يقدرون الحوار المبني على المنطق ويعتمدون عليه، ويعرف عنهم أنهم يهتمون بالاستقلالية الفردية، والعلاقات الفردية - الفردية، يعتمدون في أفكارهم على معلوماتهم بدلا مما يقال لهم من المؤسسات والحكومات، كما أن اتفاقاتهم الشخصية والتجارية تكون تحريرية رسمية بعقد تتممها مصداقية الفرد.

أما ثقافة السياق العالي «High Context Culture» فتوجد في غالبية دول آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية. يتواصل الفرد بهذه الثقافة بشكل غير مباشر وطرق غير رسمية لإيصال الرسالة لاعتماده على السياق الذي يتكون من مجموعة من الكلام، والرموز والإشارات.

الفرد قد لا يعني حرفيا ولا كليا ما يقوله، ويتوقع منك التفاعل بناء على فهم السياق. طريقة إيصال الرسالة بين الأفراد تهم أكثر من الرسالة نفسها، حيث يمكن لنبرة صوت المتكلم، وتعابير الوجه، والإيماءات، ولغة الجسد أن تكون جزءا من الرسالة المراد فهمها. تتصف المجتمعات هنا باهتمامها بالجماعات ومصالحها أكثر من الفرد، تقدر العلاقات الشخصية والعلاقات الاجتماعية ومكانة الناس وتاريخهم الاجتماعي. يلاحظ عليها أنها تحتكم للمؤسسات أو المشاعر كالدين والإنسانية أكثر من المنطق الشخصي. كما أن الاتفاقات بينها يجب أن تسبقها الثقة وإعطاء الكلمة التي هي أهم من العقود، وذلك لأن مكانة الفرد أهم من مصداقيته.

ثقافات السياق المنخفض والعالي لا تصنف المجتمعات على أنها ذات عادات جيدة أو سيئة، أفضل أو أسوأ من غيرها، بل هي جزء من تركيبة المجتمع الثقافية وإرث مستمر لا ينقطع بشخص ولا يتبدل بنظام، بل يتطور بتوجه عام يؤدي إلى ارتقاء حضاري أو انحدار ثقافي! هي تشرح كيف نمارس حياتنا وتواصلنا الفردي والتنظيمي، الرسمي وغير الرسمي، وما هي طرقنا وسياساتنا للتفاعل مع أفراد مجتمعنا وغيرنا. هي لوحة واضحة للقريب وسمعة عند الغريب للسلوك الفردي وسلوك المؤسسات الحكومية والخاصة، كذلك تعبر عن الهوية الاجتماعية والفكرية.

معرفة هذه الأبعاد الثقافية وتنوعها وكيفية استخدامها بشكل أمثل تؤثر على ممارسات وصورة الفرد ومجتمعه محليا وعالميا، وبشكل أخص للمغتربين للدراسة أو العمل، والمهنيين للارتقاء بمنظماتهم، والتجار للثقة وازدهار التبادل التجاري، وبالطبع السائح لما ينقله عن ثقافته لدى الغير، وما ينقل إلى مجتمعه عن ثقافة الآخرين من أعراف وأخلاق.

@MansoorBF