محمد أحمد بابا

أهل الكهف خرجوا من كهفهم

السبت - 14 يوليو 2018

Sat - 14 Jul 2018

حبس العالم أنفاسه، هل يتغلب الإنسان على ظروف الطبيعة بما وهبه الله من علم ومهارة؟ أم يقضي الله أمرا وتفشل كل المحاولات؟ لكن ضرب مثل للتعاون الهادئ بعيدا عن ضوضاء إعلام مغشوش بدا هو النتيجة النهائية لكأس العالم للإنقاذ.

فتية الكهف في تايلند لم يكونوا إلا مجموعة بشر وقائدهم مدربهم الذي شاء الله تعالى أن يلهمنا به كيف يكون مدربا لكرة القدم ومدربا للنفوس يرفع فيها ويخفض هدوءا وحماسا بتقنية القرب ومفاتيح المعرفة. هم فتية حين قرروا ولوج الكهف لم يكن لهم مطمع في الشهرة، بل كان الجوع الإنساني للاكتشاف هو الحافز.

فأهل الكهف هؤلاء خرجوا من كهفهم لنتعلم من كهفهم ومنهم ومن إنقاذهم وقصتهم أن الإنسان يستطيع.

قصة أهل الكهف 2018 بازغة الدروس والعبر لقيمة الإنسان، وقيمة الوقت، وقيمة المهارات المكتسبة، وقيمة قوانين السلامة، وقيمة الاستشارات، وقيمة التعامل مع الأطفال، وقيمة التدريب، وقيمة التعاون، وقيمة التطوع، ثم قيمة الواقعية والموضوعية والحقيقة.

لأهل التربية والتعليم، انظروا كيف سيطر معلم أو مدرب على الوضع في كهف وحالة استثنائية، فكيف بفصل دراسي؟

لأهل التخطيط والاستراتيجيات، انظروا كيف تعاون المخططون في ترتيب بدائل الخيارات، فكيف بشركة أو مؤسسة؟

لأهل الأخلاق والحقوق، انظروا كيف اشترك الجميع في حفظ الحقوق العامة وحفظ الأمانة حتى كان مدربهم آخر من خرج، فكيف بمدرب فريق كرة قدم؟

لأهل الإبداع والموهبة والابتكار، انظروا كيف استلهم الفتية تعليمات وقدرات ومهارات بعث بها لهم فتجاوبوا مع من هم بالخارج إيجابا عجيبا، فكيف بقائد أو قائدة مركبة في طريق عام؟

ثم لننظر كيف هو أثر فهم واستيعاب وسائل السلامة، والتصرف وقت الطوارئ، والاستعداد النفسي للأزمات الذي بدا جليا في فتية ومدربهم لم يكونوا يهدفون لإشغال العالم بقضيتهم، لكنها المهارة والتربية والاعتياد ومناهج التعليم واشتراطات التخطي في مراحل الحياة المختلفة.

كم هي قيمة الإنسان غالية حينما ضرب المتعاملون مع احتجاز فتية الكهف ومعلمهم مثلا عاليا لدقة الحصول على أفضل النتائج مع أقل الخسارات، وفي الأزمات الخاصة مثل هذه التي تتطلب دراية وعلما ومهارة غوص تبرز في المناخ أهمية التطوع وروعته وجاذبيته وفعاليته.

ولولا أن في تايلند قيمة علمية قديمة دارسة متأصلة لتضاريس البلد ومناخاته في حياد علمي موضوعي لا مجال فيه للكذب أو التلفيق أو المعلومات الخاطئة، لما تمكنت فرق الإنقاذ من التعامل مع هذا الحدث الرهيب بفاعلية الإنسان الحقيقي.

ما أظن القوم في تايلند إبان احتجاز الفتية ومدربهم انشغلوا بأسئلة مثل: كيف دخلوا؟ أو كيف ذهب بهم مدربهم لهذا المكان الخطير؟ أو هل هناك ترخيص لهذا العمل؟ أو هل تأكدتم من أهلية المدرب؟ أو كيف تتركون أبناءكم؟ ونحو ذلك من الأمور، ولم يشبع القوم في تايلند لطما في جنازة هذا الحدث، ولم يخونوا المدرب أو مؤسسات بلدهم أو الأطفال أو أسرهم، بل أكاد أجزم أن الجميع - حتى العامي في الشارع - وضع نصب عينيه كيف يعود الأطفال إلى بيوتهم.

أمر آخر عظيم في هذه القصة جذب انتباهي وغيري، وهو اهتمام القوم في تايلند بداية معالجة الحدث هذا بالتوازن النفسي لأسرة خارج الكهف تفتقد طفلها وتخاف عليه، وبين أطفال في الكهف ومدربهم في مأزق لا يحسدون عليه، فحرصوا على تسخير التقنية لطمأنة أهل الكهف أنا معكم ولن نترككم، ولطمأنة الأسر بصور وحديث تركن له قلوبهم زراعة للأمل ورفعا للمعنويات.

أهل الكهف قديما وأهل الكهف حديثا اشتركوا في برهنة واضحة لنا بأن التعاون الإيجابي عمليا ونفسيا وسلوكيا وإداريا وتنظيميا سبيل النجاح لا محالة.

albabamohamad@