ياسر عمر سندي

علموا أبناءكم سلوك الاختيار

الأربعاء - 11 يوليو 2018

Wed - 11 Jul 2018

من الأساليب التربوية لدعم النشء الجديد وتقويم عاداتهم في التواصل الذاتي مع النفس والتواصل التبادلي مع الآخرين غرس المفاهيم السلوكية الحسنة منذ نعومة أظافرهم في مرحلة السنين الأولى من عمر الطفل، أي من بدايات مرحلة تعلم النطق والكلام، وفي أول سنة لمحاولة تعلم المشي وإطلاق أسماء الوالدين ومناداتهم والتلفظ ببعض الأسماء المحيطة ببيئة المنزل الداخلية، كأسماء الإخوة والمأكولات والمشروبات التي يسهل على الطفل إصدارها.

هذه أول شرارة يفطن لها الوالدان، خاصة الأم، لتعزيز سلوك حرية الاختيار الحسن لدى الأبناء، وحثهم عليه من خلال نوع الملبوسات المراد ارتداؤها وموديلاتها وألوانها، واختيار اللعبة المناسبة للمرحلة العمرية، والتي تساعد في تنمية قدراتهم العقلية وإدراكهم كيفية فكها وإعادة تركيبها، وطريقة اللعب أيضا مع الأطفال الآخرين، أو اختيار الرياضة المناسبة مع تطبيق شرط تربوي مهم في ذلك، وهو توجيههم التوجيه السليم والحكيم لذلك السلوك، وتنبيههم لما يعرضهم للخطر، إضافة إلى ترك المجال لهم في الاختيار ومراقبة ذلك عن كثب، وإعطائهم جرعات بسيطة وتدريجية في كل مرة وكل موقف، إلى أن يتم إلصاق ذلك السلوك بهم وإتقانه مستقبلا عندما يكبرون.

وأرى أن اللجوء للتربية بدعم حرية الاختيار يعد بحد ذاته سلوكا دخيلا على شخصية الأطفال، ويمكن تعلمه ونقله بالأساليب المعرفية من خلال النمذجة الوالدية، بمراقبة حركاتهم قولا وفعلا، والتقويم المتكرر الداعم لذلك، فكثيرا ما نجد قيام الوالدين أو الإخوة الأكبر سنا باستخدام أسلوب الصراخ أو النهر والزجر والتوبيخ في حال رغبة الطفل بإبداء رأي معين تجاه أكل وجبة أو الذهاب للتنزه إلى مكان ما، أو أن تتم المسارعة في الضرب أو توجيه نظرة إيمائية جاحظة ملؤها الشر في حال وجود مجموعة من الأقارب أو الأصدقاء، فالطفل في هذه المواقف المثبطة لعملية الانطلاق في الرأي والتحرر البسيط بما يريده من تحقيق رغبات كامنة على قدر تطلعاته يصاب بحالة من الخجل والانطواء النفسي، وربما يتطور الأمر إلى حدوث التأتأة الكلامية الوقتية أو المزمنة، ويتم تثبيت الموقف السيئ لدى الطفل في ذاكرته، مما ينعكس عليه بخبرة فاشلة في إبداء الرأي وحرية الاختيار ومن أقرب الناس إليه، ويتعرض لما أسميه شخصيا بـ «نكسة اتخاذ الرأي» أو «تخبط إصدار القرار»، وتصبح لديه متلازمة التخبط والنكسة إلى أن يتقدم في السن، وفي كل موقف يواجهه في حياته، فمثلا قد نجد مديرا لا يتخذ القرار الصائب أو يتراجع مرارا وتكرارا، أو نرى شخصا آخر يتردد في شراء أبسط الأشياء التي تهمه، بل ونشاهد كثيرا من الطلاب حاليا لا يستطيعون اختيار تخصصاتهم العلمية أو مجالاتهم العملية أو حتى اختيار أصدقائهم المقربين.

حسن الاختيار من وجهة نظري هو طابع جيني موروث، وأسلوب بيئي مكتسب أيضا يتشكل بحسب قابلية وشخصية الفرد وقدرته على التعلم، ويعتمد في الدرجة الأولى على معيارين رئيسين، الأول هو الدعم الأسري وذلك بإتاحة الفرصة للطفل في إبداء اختياره ورأيه، خاصة فيما يخصه كالمأكل أو الملبس أو لعبة يهواها، وفي حال رفض مقترح الطفل وما تم اختياره من وجهة نظره يتم تبرير ذلك بطريقة تربوية راقية بإيضاح مضار أو مساوئ ذلك الاختيار، وبأن الوالدين سيساعدانه على إيجاد البديل بما يتلاءم مع مرحلته العمرية وشخصيته خوفا ومحافظة عليه، أو أن يجري الاعتذار له في حال ارتفاع ميزانية الشيء الذي وقع اختياره عليه، لتزيد لديه حالة الوعي والاستبصار بأن لديه رأيا مستقلا ومسموعا وقابلا للنقاش.

أما المعيار الثاني فهو الدور الوالدي في التعرف على طرق التغذية المعرفية وأساليب استنباطها لدى الطفل ولكل مرحلة عمرية يتخطاها، حيث يبدأ الطفل باللجوء إلى وسائل إداركه الخاص، فيبدأ بالاستماع والنظر لما حوله، ويفند ما يلبي رغباته ثم يعمل على ربط ذلك باستخدام الطرق العقلية في التذكر والحفظ للمواقف والخبرات السابقة، ويبرز لديه الذكاء الفطري الذي تدعمه طرق التربية الوالدية، فالطفل يتعامل مع مواقف معينة بذكاء قد يجهله من حوله من الكبار، فهو يختار مصلحته الخاصة وطريقة إشباعها، على سبيل المثال: اختار الطفل لعبة معينة فهو في هذه الحالة لا يهمه سعرها أو تكلفة نقلها أو خطورتها عليه، وتتعزز لديه المحصلة النهائية وهي الاستحواذ عليها، فيبرز الدور الوالدي للأم أو الأب بتوضيح الأسباب من إمكانية شرائها أو عدمها، مع البعد عن الصراخ لتركها في المحل أو توبيخ اختياره والتقليل منه، ليستشعر المحافظة على كيانه وشخصيته أمام الآخرين، فهنالك شخصيات لديها استعداد جيني وبيئي للتعلم بسهولة ويسر، وآخرون يحتاجون إلى جهد كبير لتدعيم سلوك الاستقلال في الرأي وحسن الاختيار، فساعدوا أبناءكم على استكشاف ذلك، وادعموهم ولا تنفروهم، فكما قيل قديما «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر».

@Yos123Omar