عبدالله المزهر

آلة صناعة القبب!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 08 يوليو 2018

Sun - 08 Jul 2018

يا أيها الذين في تويتر: السلام علينا وعليكم وعلى الناس أجمعين. ثم إنكم لستم الناس.

صحيح أن تويتر اختراع عظيم، وصحيح أيضا أنه أصبح وسيلة إخبارية لا تنافسها وسيلة أخرى ـ مع أني أعتقد أنه لم يخترع من أجل هذا في الأساس ــ وصحيح مرة أخرى أن كثيرا من الأمور «العالقة» تحلحلت لأن تويتر موجود في الجوار، وصحيح أن بعض القضايا لا يلتفت إليها أحد ما لم تمر عبر تويتر.

ومع صحة كل ما تقدم، ومع أني من المحسوبين على الكائنات التويترية، إلا أن هذا لا ينفي أن الناس في حقيقتهم غير ما يبدون عليه وهم يغردون.

فلا الأشرار أشرار حقيقيون ولا الأخيار أخيار حقيقيون، وأنا بالطبع لا أعني كل المغردين، ولكني أقصد فقط نسبة حول الـ 99.9% منهم، حتى لا أقع في فخ التعميم، وهو لغة حمقاء كما يقول الزملاء المثقفون.

عيب تويتر ـ وأحيانا هي ميزته ـ هو أنه الآلة التي اخترعها الإنسان لكي يصنع قببا من حبة واحدة. كان المثل الذي يتكلم عن «صناعة القبة من الحبة» مجرد نظرية تقال على سبيل المبالغة، ثم إن الأيام أنصفت هذه النظرية وكشفت أنها حقيقة جلية لا مبالغة فيها ولا تهويل.

حدث عادي يمكن أن يشاهده الإنسان الطبيعي مرارا وتكرارا لكنه حين يتم تصويره، ثم يتولى أحد قادة القطيع التويتري توجيه الجموع لاعتباره شيئا غير عادي فإن ذات الإنسان الطبيعي يكتب بنفسه وشحمه ولحمه وهاتفه كلاما كبيرا وعبارات استنكار هو نفسه غير مؤمن بها أو في أفضل الأحوال لا تعني له أي شيء.

هذه الميزة أو العيب كانت المفتاح الذي فهمته كثير من الدول والمنظمات، حتى من الأفراد الباحثين عن «تجميع» الأتباع. وأصبح العمل وفق صناعة القبب من الحبات الصغيرة متسارع الوتيرة، حتى أصبح بالإمكان في نهاية المطاف صناعة قبة عظيمة دون وجود حبة من الأساس.

وأصبحت لعبة تويتر تمارس في وسائل أخرى لصناعة ذات الزخم وصناعة الأشياء من اللا شيء، والجماهير عادة تحب هذه اللعبة وتتلقفها.

أثناء زيارة أحد أئمة الحرم لأوروبا هذه الصائفة، خطب في أحد المساجد، ثم قابله عند خروجه أشخاص شتموه وشتموا المملكة العربية السعودية. هذه هي الصورة التي يراد أن تظهر، والمتلقي يلتقط هذه الصورة ولا يفكر كم عدد الذين كانوا في المسجد ومن ذات الجنسية واستمعوا للخطبة وغادروا المسجد دون أن يشتموا أحدا.

وفق آلية صناعة القبب فإن أربعة أشخاص لا يعرف ماذا يريدون ولا من أرسلهم يبدون أكثر تأثيرا ومصداقية من ألف ساكتين سعداء بحضور الخطبة.

وعلى أي حال..

كل الأشياء تصبح خطرة وضررها أكثر من نفعها حين تستخدم لغير ما صنعت من أجله. وتويتر ليس استثناء، تويتر صنع من أجل الكذبات الصغيرة التي لا تؤذي أحدا، لكنه يستخدم الآن من أجل الكذب المؤذي الذي يفسد الحياة وما بعد الحياة.

@agrni